الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مختصر المزني ***
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالسُّنَّةُ أَنْ يَغْتَسِلَ لِلْجُمُعَةِ كُلُّ مُحْتَلِمٍ وَمَنْ اغْتَسَلَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَجْزَأَهُ وَمَنْ تَرَكَ الْغُسْلَ لَمْ يُعِدْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ {مَنْ تَوَضَّأَ فَبِهَا وَنَعِمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ} فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَجَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ فَقَدْ انْقَطَعَ الرُّكُوعُ فَلاَ يَرْكَعُ أَحَدٌ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ رَكَعَ فَيَرْكَعُ. وَرُوِيَ {أَنْ سُلَيْكًا الْغَطَفَانِيُّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ أَرَكَعْت؟ قَالَ: لاَ قَالَ: فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ} وَأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَكَعَهُمَا وَمَرْوَانُ يَخْطُبُ وَقَالَ مَا كُنْت لِأَدَعَهُمَا بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: " وَيُنْصِتُ النَّاسُ وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ قَائِمًا خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا جِلْسَةً خَفِيفَةً " إلَّا أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا فَيَخْطُبُ جَالِسًا وَلاَ بَأْسَ بِالْكَلاَمِ مَا لَمْ يَخْطُبْ وَيُحَوِّلُ النَّاسُ وُجُوهَهُمْ إلَى الْإِمَامِ وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ فَإِذَا فَرَغَ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ يَبْتَدِئُهَا بِ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وَبِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَيَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَ{إذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ} ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ وَلاَ يَقْرَأُ مَنْ خَلْفَهُ وَمَتَى دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ مِنْ الْجُمُعَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّهَا ظُهْرًا وَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْنِ أَتَمَّهَا جُمُعَةً وَإِنْ تَرَكَ سَجْدَةً فَلَمْ يَدْرِ أَمِنَ الَّتِي أَدْرَكَ أَمْ الْأُخْرَى حَسَبَهَا رَكْعَةً وَأَتَمَّهَا ظُهْرًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ {مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلاَةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ} وَمَعْنَى قَوْلِهِ إنْ لَمْ تَفُتْهُ وَمَنْ لَمْ تَفُتْهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَأَقَلُّهَا رَكْعَةٌ بِسَجْدَتَيْهَا {وَحُكِيَ فِي أَدَاءِ الْخُطْبَةِ اسْتِوَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي تَلِي الْمُسْتَرَاحَ قَائِمًا، ثُمَّ سَلَّمَ وَجَلَسَ عَلَى الْمُسْتَرَاحِ حَتَّى فَرَغَ الْمُؤَذِّنُونَ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ الْأُولَى، ثُمَّ جَلَسَ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ الثَّانِيَةَ} وَرُوِيَ {أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا خَطَبَ اعْتَمَدَ عَلَى عَنَزَتِهِ اعْتِمَادًا وَقِيلَ عَلَى قَوْسٍ}. قَالَ وَأُحِبُّ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ مَا أَشْبَهَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَحْبَبْت أَنْ يُسْكِنَ جَسَدَهُ وَيَدَيْهِ إمَّا بِأَنْ يَجْعَلَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى أَوْ يُقِرَّهُمَا فِي مَوْضِعِهِمَا وَيُقْبِلَ بِوَجْهِهِ قَصْدَ وَجْهِهِ وَلاَ يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَلاَ شِمَالاً وَأُحِبُّ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ حَتَّى يُسْمِعَ وَأَنْ يَكُونَ كَلاَمُهُ مُتَرَسِّلاً مُبَيَّنًا مُعْرَبًا بِغَيْرِ مَا يُشْبِهُ الْعِيَّ وَغَيْرِ التَّمْطِيطِ وَتَقْطِيعِ الْكَلاَمِ وَمَدِّهِ وَلاَ مَا يُسْتَنْكَرُ مِنْهُ وَلاَ الْعَجَلَةُ فِيهِ عَلَى الْأَفْهَامِ وَلاَ تَرْكِ الْإِفْصَاحِ بِالْقَصْدِ وَلْيَكُنْ كَلاَمُهُ قَصِيرًا بَلِيغًا جَامِعًا وَأَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ خُطْبَةٍ مِنْهُمَا أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيُوصِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ وَيَقْرَأَ آيَةً فِي الْأُولَى وَيَحْمَدَ اللَّهَ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيُوصِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَيَدْعُو فِي الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ مَعْقُولاً أَنَّ الْخُطْبَةَ جَمْعُ بَعْضِ الْكَلاَمِ مِنْ وُجُوهٍ إلَى بَعْضٍ وَهَذَا مِنْ أَوْجَزِهِ وَإِذَا حُصِرَ الْإِمَامُ لُقِّنَ وَإِذَا قَرَأَ سَجْدَةً فَنَزَلَ فَسَجَدَ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ كَمَا لاَ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ. قَالَ: وَأُحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْآخِرَةِ بِآيَةٍ ثُمَّ يَقُولَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ. وَإِنْ سَلَّمَ رَجُلٌ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ كَرِهْته وَرَأَيْت أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ فَرْضٌ وَيَنْبَغِي تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ لاَ يُشَمِّتُهُ وَلاَ يَرُدُّ السَّلاَمَ إلَّا إشَارَةً. قَالَ الْمُزَنِيّ: رحمه الله قُلْت: أَنَا الْجَدِيدُ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ فَرْضٌ وَالصَّمْتَ سُنَّةٌ، وَالْفَرْضُ أَوْلَى مِنْ السُّنَّةِ وَهُوَ يَقُولُ: {إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَلَّمَ قَتَلَةَ ابْنِ أَبِي الْحَقِيقِ فِي الْخُطْبَةِ} وَكَلَّمَ سُلَيْكًا الْغَطَفَانِيُّ وَهُوَ يَقُولُ: يَتَكَلَّمُ الرَّجُلُ فِيمَا يَعْنِيهِ وَيَقُولُ: لَوْ كَانَتْ الْخُطْبَةُ صَلاَةً مَا تَكَلَّمَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ الْمُزَنِيّ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَا وَصَفْت، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَالْجُمُعَةُ خَلْفَ كُلِّ إمَامٍ صَلَّاهَا مِنْ أَمِيرٍ وَمَأْمُورٍ وَمُتَغَلِّبٍ عَلَى بَلَدٍ وَغَيْرِ أَمِيرٍ جَائِزَةٌ وَخَلْفَ عَبْدٍ وَمُسَافِرٍ كَمَا تُجْزِئُ الصَّلاَةُ فِي غَيْرِهَا وَلاَ يُجْمَعُ فِي مِصْرٍ وَإِنْ عَظُمَ وَكَثُرَتْ مَسَاجِدُهُ إلَّا فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ مِنْهَا وَأَيُّهَا جَمَعَ فِيهِ فَبَدَأَ بِهَا بَعْدَ الزَّوَالِ فَهِيَ الْجُمُعَةُ وَمَا بَعْدَهَا فَإِنَّمَا هِيَ ظُهْرٌ يُصَلُّونَهَا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ بَعْدَهُ صَلَّوْا فِي مَسْجِدِهِ وَحَوْلَ الْمَدِينَةِ مَسَاجِدُ لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْهُمْ جَمَعَ إلَّا فِيهِ، وَلَوْ جَازَ فِي مَسْجِدَيْنِ لَجَازَ فِي مَسَاجِدِ الْعَشَائِرِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً قَالَ: فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأُحِبُّ التَّبْكِيرَ إلَيْهَا وَأَنْ لاَ تُؤْتَى إلَّا مَشْيًا لاَ يَزِيدُ عَلَى سَجِيَّةِ مِشْيَتِهِ وَرُكُوبِهِ وَلاَ يُشَبِّكُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {فَإِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَ يَعْمِدُ إلَى الصَّلاَةِ}.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ السَّبَّاقِ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي جُمُعَةٍ مِنْ الْجُمَعِ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ إنَّ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ فَاغْتَسِلُوا وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طِيبٌ فَلاَ يَضُرُّهُ أَنْ يَمَسَّ مِنْهُ وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَأُحِبُّ أَنْ يَتَنَظَّفَ بِغُسْلٍ وَأَخْذِ شَعْرٍ وَظُفْرٍ وَعِلاَجٍ لِمَا يَقْطَعُ تَغْيِيرَ الرِّيحِ مِنْ جَمِيعِ جَسَدِهِ وَسِوَاكٍ وَيَسْتَحْسِنُ ثِيَابَهُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَيُطَيِّبُهَا اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ وَلِئَلَّا يُؤْذِيَ أَحَدًا قَارَبَهُ وَأَحَبُّ مَا يُلْبَسُ إلَيَّ الْبَيَاضُ، فَإِنْ جَاوَزَهُ بِعَصَبِ الْيَمَنِ وَالْقَطَرِيِّ وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا يُصْنَعُ غَزْلُهُ وَلاَ يُصْبَغُ بَعْدَ مَا يُنْسَجُ فَحَسَنٌ وَأَكْرَهُ لِلنِّسَاءِ الطِّيبَ وَمَا يَشْتَهُونَ بِهِ وَأُحِبُّ لِلْإِمَامِ مِنْ حُسْنِ الْهَيْئَةِ أَكْثَرَ وَأَنْ يَعْتَمَّ وَيَرْتَدِيَ بِبُرْدٍ فَإِنَّهُ يُقَالُ: {كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعْتَمُّ وَيَرْتَدِي بِبُرْدٍ}.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا صَلُّوا فِي سَفَرٍ صَلاَةَ الْخَوْفِ مِنْ عَدُوٍّ غَيْرِ مَأْمُونٍ صَلَّى الْإِمَامُ بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً وَطَائِفَةٌ وِجَاءَ الْعَدُوِّ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا قَامَ فَثَبَتَ قَائِمًا وَأَطَالَ الْقِيَامَ وَأَتَمَّتْ الطَّائِفَةُ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهَا تَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَتُخَفِّفُ ثُمَّ تُسَلِّمُ وَتَنْصَرِفُ فَتَقِفُ وِجَاءَ الْعَدُوِّ وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهَا الْإِمَامُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِ فَيَقْرَأُ فِيهَا بَعْدَ إتْيَانِهِمْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ قَصِيرَةٍ وَيَثْبُتُ جَالِسًا وَتَقُومُ الطَّائِفَةُ فَتُتِمُّ لِأَنْفُسِهَا الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ قَصِيرَةٍ، ثُمَّ تَجْلِسُ مَعَ الْإِمَامِ قَدْرَ مَا يَعْلَمُهُمْ تَشَهَّدُوا، ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ وَقَدْ صَلَّتْ الطَّائِفَتَانِ جَمِيعًا مَعَ الْإِمَامِ وَأَخَذَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَعَ إمَامِهَا مَا أَخَذَتْ الْأُخْرَى مِنْهُ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ فَأَقَمْت لَهُمْ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَك وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَك} الْآيَةُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ نَحْوَ ذَلِكَ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالطَّائِفَةُ ثَلاَثَةٌ فَأَكْثَرُ وَأَكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِأَقَلَّ مِنْ طَائِفَةٍ وَأَنْ يَحْرُسَهُ أَقَلُّ مِنْ طَائِفَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ صَلاَةُ الْمَغْرِبِ فَإِنْ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ فَحَسَنٌ وَإِنْ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ فَجَائِزٌ، ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهَا مَا بَقِيَ ثُمَّ يَثْبُتُ جَالِسًا حَتَّى تَقْضِيَ مَا بَقِيَ عَلَيْهَا ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ صَلاَةَ حَضَرٍ فَلْيَنْتَظِرْ جَالِسًا فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ قَائِمًا فِي الثَّالِثَةِ حَتَّى تُتِمَّ الطَّائِفَةُ الَّتِي مَعَهُ، ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهَا كَمَا وَصَفْت فِي الْأُخْرَى، وَلَوْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ فَصَلَّى بِفِرْقَةٍ رَكْعَةً وَثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ بِفِرْقَةٍ رَكْعَةً وَثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّو، ثُمَّ بِفِرْقَةٍ رَكْعَةً وَثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا، ثُمَّ بِفِرْقَةٍ رَكْعَةً وَثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا كَانَ فِيهَا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَسَاءَ وَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي أَنَّ صَلاَةَ الْإِمَامِ فَاسِدَةٌ وَتَتِمُّ صَلاَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُمَا خَرَجَتَا مِنْ صَلاَتِهِ قَبْلَ فَسَادِهَا؛ لِأَنَّ لَهُ انْتِظَارًا وَاحِدًا بَعْدَ آخَرَ وَتَفْسُدُ صَلاَةُ مَنْ عَلِمَ مِنْ الْبَاقِيَتَيْنِ بِمَا صَنَعَ وَائْتَمَّ بِهِ دُونَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ. قَالَ: وَأُحِبُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَأْخُذَ سِلاَحَهُ فِي الصَّلاَةِ مَا لَمْ يَكُنْ نَجِسًا أَوْ يَمْنَعَهُ مِنْ الصَّلاَةِ، أَوْ يُؤْوِيَ بِهِ أَحَدًا، وَلاَ يَأْخُذُ الرُّمْحَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَاشِيَةِ النَّاسِ، وَلَوْ سَهَا فِي الْأُولَى أَشَارَ إلَى مَنْ خَلْفَهُ بِمَا يَفْهَمُونَ أَنَّهُ سَهَا فَإِذَا قَضَوْا سَجَدُوا لِلسَّهْوِ، ثُمَّ سَلَّمُوا وَإِنْ لَمْ يَسْهُ هُوَ وَسَهَوْا هُمْ بَعْدَ الْإِمَامِ سَجَدُوا لِسَهْوِهِمْ وَتَسْجُدُ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مَعَهُ لِسَهْوِهِ فِي الْأُولَى، وَإِنْ كَانَ خَوْفًا أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْمُسَايَفَةُ وَالْتِحَامُ الْقِتَالِ وَمُطَارَدَةُ الْعَدُوِّ حَتَّى يَخَافُوا إنْ وَلَّوْا أَنْ يَرْكَبُوا أَكْتَافَهُمْ فَتَكُونُ هَزِيمَتُهُمْ فَيُصَلُّوا كَيْفَ أَمْكَنَهُمْ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا وَقُعُودًا عَلَى دَوَابِّهِمْ وَقِيَامًا فِي الْأَرْضِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ يُومِئُونَ بِرُءُوسِهِمْ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ?: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً، أَوْ رُكْبَانًا}، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرِ مُسْتَقْبِلِيهَا قَالَ نَافِعٌ لاَ أَرَى ابْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ وَلَوْ صَلَّى عَلَى فَرَسِهِ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ رَكْعَةً، ثُمَّ أَمِنَ نَزَلَ فَصَلَّى أُخْرَى مُوَاجِهَةَ الْقِبْلَةِ وَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً آمِنًا، ثُمَّ سَارَ إلَى شِدَّةِ الْخَوْفِ فَرَكِبَ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ عَمَلَ النُّزُولِ خَفِيفٌ وَالرُّكُوبَ أَكْثَرُ مِنْ النُّزُولِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: قُلْت أَنَا: قَدْ يَكُونُ الْفَارِسُ أَخَفَّ رُكُوبًا وَأَقَلَّ شَغْلاً لِفُرُوسِيَّتِهِ مِنْ نُزُولِ ثَقِيلٍ غَيْرِ فَارِسٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَضْرِبَ فِي الصَّلاَةِ الضَّرْبَةَ وَيَطْعَنَ الطَّعْنَةَ فَأَمَّا إنْ تَابَعَ الضَّرْبَ، أَوْ رَدَّدَ الطَّعْنَةَ فِي الْمَطْعُونِ أَوْ عَمِلَ مَا يَطُولُ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، وَلَوْ رَأَوْا سَوَادًا أَوْ جَمَاعَةً، أَوْ إبِلاً فَظَنُّوهُمْ عَدُوًّا فَصَلَّوْا صَلاَةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ يُومِئُونَ إيمَاءً، ثُمَّ بَانَ لَهُمْ أَنْ لَيْسَ عَدُوٌّ أَوْ شَكُّوا أَعَادُوا وَقَالَ فِي الْإِمْلاَءِ لاَ يُعِيدُونَ لِأَنَّهُمْ صَلَّوْا وَالْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ. قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْت أَنَا: أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ عِنْدِي أَنْ يُعِيدُوا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ قَلِيلاً مِنْ نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ وَالْمُسْلِمُونَ كَثِيرًا يَأْمَنُونَهُمْ فِي مُسْتَوًى لاَ يَسْتُرهُمْ شَيْءٌ إنْ حَمَلُوا عَلَيْهِمْ رَأَوْهُمْ صَلَّى الْإِمَامُ بِهِمْ جَمِيعًا وَرَكَعَ وَسَجَدَ بِهِمْ جَمِيعًا إلَّا صَفًّا يَلِيهِ، أَوْ بَعْضَ صَفٍّ يَنْظُرُونَ الْعَدُوَّ فَإِذَا قَامُوا بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ سَجَدَ الَّذِينَ حَرَسُوهُ أَوَّلاً إلَّا صَفًّا، أَوْ بَعْضَ صَفٍّ يَحْرُسْهُ مِنْهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا سَجْدَتَيْنِ وَجَلَسُوا سَجَدَ الَّذِينَ حَرَسُوهُمْ، ثُمَّ يَتَشَهَّدُونَ ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ جَمِيعًا مَعًا وَهَذَا نَحْوُ صَلاَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عُسْفَانَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الَّذِي حَرَسَهُ إلَى الصَّفِّ الثَّانِي وَتَقَدَّمَ الثَّانِي فَحَرَسَهُ فَلاَ بَأْسَ. وَلَوْ صَلَّى فِي الْخَوْفِ بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ فَهَكَذَا صَلاَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِبَطْنِ نَخْلٍ. قَالَ الْمُزَنِيّ وَهَذَا عِنْدِي يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ فَرِيضَةٍ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي نَافِلَةً؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ فَرِيضَةً لَهُمْ وَنَافِلَةً لَهُ صلى الله عليه وسلم. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ صَلاَةَ الْخَوْفِ فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ؛ لِأَنَّهُ آمِنٌ وَطَلَبُهُمْ تَطَوُّعٌ وَالصَّلاَةُ فَرَائِضُ وَلاَ يُصَلِّيهَا كَذَلِكَ إلَّا خَائِفًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ قِتَالٍ كَانَ فَرْضًا، أَوْ مُبَاحًا لِأَهْلِ الْكُفْرِ وَالْبَغْيِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَمَنْ أَرَادَ دَمَ مُسْلِمٍ، أَوْ مَالَهُ، أَوْ حَرِيمَهُ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ {مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ} فَلِمَنْ قَاتَلَهُمْ أَنْ يُصَلِّيَ صَلاَةَ الْخَوْفِ وَمَنْ قَاتَلَ عَلَى مَا لاَ يَحِلُّ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ، وَلَوْ كَانُوا مُوَلِّينَ لِلْمُشْرِكِينَ أَدْبَارَهُمْ غَيْرَ مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ وَلاَ مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ وَكَانُوا يُومِئُونَ أَعَادُوا لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ عَاصُونَ وَالرُّخْصَةُ لاَ تَكُونُ لِعَاصٍ. قَالَ: وَلَوْ غَشِيَهُمْ سَيْلٌ وَلاَ يَجِدُونَ نَجْوَةً صَلَّوْا يُومِئُونَ عَدْوًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَرِكَابِهِمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَكْرَهُ لُبْسَ الدِّيبَاجِ وَالدِّرْعِ الْمَنْسُوجَةِ بِالذَّهَبِ وَالْقَبَاءِ بِأَزْرَارِ الذَّهَبِ فَإِنْ فَاجَأَتْهُ الْحَرْبُ فَلاَ بَأْسَ وَلاَ أَكْرَهُ لِمَنْ كَانَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ فِي الْحَرْبِ بَلاَءً أَنْ يُعْلِمَ وَلاَ أَنْ يَرْكَبَ الْأَبْلَقَ قَدْ أَعْلَمَ حَمْزَةُ يَوْمَ بَدْرٍ وَلاَ أَكْرَهُ الْبِرَازَ، قَدْ بَارَزَ عُبَيْدَةُ وَحَمْزَةُ وَعَلِيٌّ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ وَيُلْبِسُ فَرَسَهُ وَأَدَاتَهُ جِلْدَ مَا سِوَى الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ مِنْ جِلْدِ قِرْدٍ وَفِيلٍ وَأَسَدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جُنَّةٌ لِلْفَرَسِ وَلاَ تَعَبُّدَ عَلَى الْفَرَسِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ حُضُورُ الْعِيدَيْنِ وَأُحِبُّ الْغُسْلَ بَعْدَ الْفَجْرِ لِلْغُدُوِّ إلَى الْمُصَلَّى فَإِنْ تَرَكَ الْغُسْلَ تَارِكٌ أَجْزَأَهُ. قَالَ وَأُحِبُّ إظْهَارَ التَّكْبِيرِ جَمَاعَةً وَفُرَادَى فِي لَيْلَةِ الْفِطْرِ وَلَيْلَةِ النَّحْرِ مُقِيمِينَ وَسَفَرًا فِي مَنَازِلِهِمْ وَمَسَاجِدِهِمْ وَأَسْوَاقِهِمْ وَيَغْدُونَ إذَا صَلَّوْا الصُّبْحَ لِيَأْخُذُوا مَجَالِسَهُمْ وَيَنْتَظِرُونَ الصَّلاَةَ وَيُكَبِّرُونَ بَعْدَ الْغُدُوِّ حَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ إلَى الصَّلاَةِ وَقَالَ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ حَتَّى يَفْتَتِحَ الْإِمَامُ الصَّلاَةَ. قَالَ الْمُزَنِيّ: هَذَا أَقْيَسُ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي صَلاَةٍ وَلَمْ يُحْرِمْ إمَامُهُ وَلَمْ يَخْطُبْ فَجَائِزٌ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي شَهْرِ رَمَضَانَ {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ وَأَبِي سَلَمَةَ وَأَبِي بَكْرٍ يُكَبِّرُونَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ فِي الْمَسْجِدِ يَجْهَرُونَ بِالتَّكْبِيرِ وَشَبَّهَ لَيْلَةَ النَّحْرِ بِهَا، إلَّا مَنْ كَانَ حَاجًّا فَذِكْرُهُ التَّلْبِيَةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأُحِبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ حَيْثُ هُوَ أَرْفَقُ بِهِمْ وَأَنْ يَمْشِيَ إلَى الْمُصَلَّى وَيَلْبَسَ عِمَامَةً وَيَمْشِيَ النَّاسُ وَيَلْبَسُونَ الْعَمَائِمَ وَيَمَسُّونَ مِنْ طِيبِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوا وَرَوَى الزُّهْرِيُّ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا رَكِبَ فِي عِيدٍ وَلاَ جِنَازَةٍ قَطُّ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأُحِبُّ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَضْعُفَ فَيَرْكَبَ وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُ الْإِمَامِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُوَافِي فِيهِ الصَّلاَةَ وَذَلِكَ حِينَ تَبْرُزُ الشَّمْسُ وَيُؤَخَّرُ الْخُرُوجُ فِي الْفِطْرِ عَنْ ذَلِكَ قَلِيلاً وَرُوِيَ {أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنْ عَجِّلْ الْأَضْحَى وَأَخِّرْ الْفِطْرَ وَذَكِّرْ النَّاسَ} وَرُوِيَ {أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَلْبَسُ بُرْدَ حِبَرَةٍ وَيَعْتَمُّ فِي كُلِّ عِيدٍ وَيُطْعِمُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْغُدُوِّ} وَرُوِيَ {عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يُطْعِمُ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْجَبَّانِ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَأْمُرُ بِهِ} وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَأْكُلُونَ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلاَةِ وَلاَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ يَوْمَ النَّحْرِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَغْدُو إلَى الْمُصَلَّى فِي يَوْمِ الْفِطْرِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَيُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى فَيُكَبِّرُ بِالْمُصَلَّى حَتَّى إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ تَرَكَ التَّكْبِيرَ وَعَنْ عُرْوَةَ وَأَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُمَا كَانَا يَجْهَرَانِ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ يَغْدُوَانِ إلَى الْمُصَلَّى. قَالَ: وَأُحِبُّ أَنْ يَلْبَسَ أَحْسَنَ مَا يَجِدُ فَإِذَا بَلَغَ الْإِمَامُ الْمُصَلَّى نُودِيَ: " الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ " بِلاَ أَذَانٍ وَلاَ إقَامَةٍ، ثُمَّ يُحْرِمُ بِالتَّكْبِيرِ فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ سِوَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَيَرْفَعُ- كُلَّمَا كَبَّرَ- يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَيَقِفُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ بِقَدْرِ قِرَاءَةِ آيَةٍ لاَ طَوِيلَةٍ وَلاَ قَصِيرَةٍ يُهَلِّلُ اللَّهَ وَيُكَبِّرُهُ وَيَحْمَدُهُ وَيُمَجِّدُهُ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ سَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، ثُمَّ يَقْرَأُ بِ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} وَيَجْهَرُ بِقِرَاءَتِهِ، ثُمَّ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ فَإِذَا قَامَ فِي الثَّانِيَةِ كَبَّرَ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ سِوَى تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ مِنْ الْجُلُوسِ وَيَقِفُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ كَقَدْرِ قِرَاءَةِ آيَةٍ لاَ طَوِيلَةٍ وَلاَ قَصِيرَةٍ كَمَا وَصَفْت فَإِذَا فَرَغَ مِنْ خَمْسِ تَكْبِيرَاتٍ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَبِ {اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}، ثُمَّ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَلاَ يَقْرَأُ مَنْ خَلْفَهُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَبَّرُوا فِي الْعِيدَيْنِ سَبْعًا وَخَمْسًا وَصَلَّوْا قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَجَهَرُوا بِالْقِرَاءَةِ وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ بِ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} وَ{اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}. قَالَ ثُمَّ يَخْطُبُ فَإِذَا ظَهَرَ عَلَى الْمِنْبَرِ يُسَلِّمُ وَيَرُدُّ النَّاسُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُرْوَى غَالِبًا وَيُنْصِتُونَ وَيَسْتَمِعُونَ مِنْهُ وَيَخْطُبُ قَائِمًا خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا جِلْسَةً خَفِيفَةً وَأُحِبُّ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى شَيْءٍ وَأَنْ يُثَبِّتَ يَدَيْهِ وَجَمِيعَ بَدَنِهِ، فَإِنْ كَانَ الْفِطْرُ أَمَرَهُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَحَضَّهُمْ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَالْكَفِّ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، ثُمَّ يَنْزِلُ فَيَنْصَرِفُ. قَالَ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَتَنَقَّلَ الْمَأْمُومُ قَبْلَ صَلاَةِ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا فِي بَيْتِهِ وَالْمَسْجِدِ وَطَرِيقِهِ وَحَيْثُ أَمْكَنَهُ كَمَا يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا وَرُوِيَ أَنَّ سَهْلاً السَّاعِدِيَّ وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ كَانَا يُصَلِّيَانِ قَبْلَ الْعِيدِ وَبَعْدَهُ وَيُصَلِّي الْعِيدَيْنِ الْمُنْفَرِدُ فِي بَيْتِهِ وَالْمُسَافِرُ وَالْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ. قَالَ: وَأُحِبُّ حُضُورَ الْعَجَائِزِ غَيْرِ ذَاتِ الْهَيْئَةِ الْعِيدَيْنِ وَأُحِبُّ إذَا حَضَرَ النِّسَاءُ الْعِيدَيْنِ أَنْ يَتَنَظَّفْنَ بِالْمَاءِ وَلاَ يَلْبَسْنَ شُهْرَةً مِنْ الثِّيَابِ وَتُزَيَّنُ الصِّبْيَانُ بِالصِّبْغِ وَالْحُلِيِّ وَرُوِيَ {عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَغْدُو مِنْ طَرِيقٍ وَيَرْجِعُ مِنْ أُخْرَى}. قَالَ: وَأُحِبُّ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ. قَالَ وَإِذَا كَانَ الْعُذْرُ مِنْ مَطَرٍ، أَوْ غَيْرِهِ أَمَرْته أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسَاجِدِ وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ صَلَّى بِالنَّاسِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ فِي الْمَسْجِدِ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ. قَالَ: وَلاَ أَرَى بَأْسًا أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ مَنْ يُصَلِّي بِضَعَفَةِ النَّاسِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمِصْرِ وَمَنْ جَاءَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ جَلَسَ حَتَّى يَفْرُغَ فَإِذَا فَرَغَ قَضَى مَكَانَهُ، أَوْ فِي بَيْتِهِ. قَالَ وَإِذَا كَانَ الْعِيدُ أَضْحَى عَلَّمَهُمْ الْإِمَامُ كَيْفَ يَنْحَرُونَ وَأَنَّ عَلَى مَنْ نَحَرَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَجِبَ وَقْتُ نَحْرِ الْإِمَام أَنْ يُعِيدَ وَيُخْبِرُهُمْ بِمَا يَجُوزُ مِنْ الْأَضَاحِيّ وَمَا لاَ يَجُوزُ وَيُسَنُّ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَأَنَّهُمْ يُضَحُّونَ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ كُلَّهَا. قَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ، ثُمَّ لاَ يَزَالُ يُكَبِّرُ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةِ فَرِيضَةٍ مِنْ الظُّهْرِ مِنْ النَّحْرِ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَيُكَبِّرُ بَعْدَ الصُّبْحِ ثُمَّ يَقْطَعُ وَبَلَغَنَا نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَالصُّبْحُ آخِرُ صَلاَةٍ بِمِنًى وَالنَّاسُ لَهُمْ تَبَعٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: التَّكْبِيرُ كَمَا كَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَوَاتِ. قَالَ: فَأُحِبُّ أَنْ يَبْدَأَ الْإِمَامُ فَيَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلاَثًا نَسَقًا وَمَا زَادَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَحَسَنٌ وَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ صَلاَةِ الْإِمَامِ قَضَى، ثُمَّ كَبَّرَ وَيُكَبِّرُ خَلْفَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: الَّذِي قَبْلَ هَذَا عِنْدِي أَوْلَى بِهِ لاَ يُكَبِّرُ إلَّا خَلْفَ الْفَرَائِضِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ شَهِدَ عَدْلاَنِ فِي الْفِطْرِ بِأَنَّ الْهِلاَلَ كَانَ بِالْأَمْسِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الزَّوَالِ صَلَّى بِالنَّاسِ الْعِيدَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَمْ يُصَلُّوا؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ فِي وَقْتٍ إذَا جَاوَزَهُ لَمْ يُعْمَلْ فِي غَيْرِهِ كَعَرَفَةَ وَقَالَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ: وَأُحِبُّ أَنْ أَذْكُرَ فِيهِ شَيْئًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا أَنْ يُعْمَلَ مِنْ الْغَدِ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: قَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ احْتَجَّ فَقَالَ لَوْ جَازَ أَنْ يَقْضِيَ كَانَ بَعْدَ الظُّهْرِ أَجْوَزَ وَإِلَى وَقْتِهِ أَقْرَبَ. قَالَ الْمُزَنِيّ: وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِ عَلَى صَوَابِ أَحَدِ قَوْلَيْهِ عِنْدِي دَلِيلٌ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي أَيِّ وَقْتٍ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي نِصْفِ النَّهَارِ، أَوْ بَعْدَ الْعَصْرِ فَسَوَاءٌ وَيَتَوَجَّهُ الْإِمَامُ إلَى حَيْثُ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ فَيَأْمُرُ بِالصَّلاَةِ جَامِعَةً، ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَقْرَأُ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ إنْ كَانَ يَحْفَظُهَا أَوْ قَدْرِهَا مِنْ الْقُرْآنِ إنْ كَانَ لاَ يَحْفَظُهَا، ثُمَّ يَرْكَعُ فَيُطِيلُ وَيَجْعَلُ رُكُوعَهُ قَدْرَ قِرَاءَةِ مِائَةِ آيَةٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، ثُمَّ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَقَدْرِ مِائَتَيْ آيَةٍ مِنْ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ يَرْكَعُ بِقَدْرِ مَا يَلِي رُكُوعَهُ الْأَوَّلَ، ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُومُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَيَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَقَدْرِ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ آيَةً مِنْ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ يَرْكَعُ بِقَدْرِ سَبْعِينَ آيَةً مِنْ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَقَدْرِ مِائَةِ آيَةٍ مِنْ الْبَقَرَةِ ثُمَّ يَرْكَعُ بِقَدْرِ خَمْسِينَ آيَةً مِنْ الْبَقَرَةِ ثُمَّ يَرْفَعُ، ثُمَّ يَسْجُدُ وَإِنْ جَاوَزَ هَذَا، أَوْ قَصَّرَ عَنْهُ فَإِذَا قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَهُ وَيُسِرُّ فِي خُسُوفِ الشَّمْسِ بِالْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ صَلاَةِ النَّهَارِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ {خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ مَعَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً قَالَ نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ فَقَالَ إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ} وَوُصِفَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْت إلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا سَمِعْت مِنْهُ حَرْفًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لِأَنَّهُ أَسَرَّ، وَلَوْ سَمِعَهُ مَا قَدَّرَ قِرَاءَتَهُ وَرُوِيَ {أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ صَلَّى فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكِبَ فَخَطَبَنَا فَقَالَ: إنَّمَا صَلَّيْت كَمَا رَأَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي} قَالَ: وَبَلَغَنَا عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ صَلَّى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ اجْتَمَعَ عِيدٌ وَخُسُوفٌ وَاسْتِسْقَاءٌ وَجِنَازَةٌ بُدِئَ بِالصَّلاَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَضَرَ الْإِمَامُ أَمَرَ مَنْ يَقُومُ بِهَا وَبُدِئَ بِالْخُسُوفِ، ثُمَّ يُصَلِّي الْعِيدَ ثُمَّ أَخَّرَ الِاسْتِسْقَاءَ إلَى يَوْمٍ آخَرَ وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْعِيدِ صَلَّاهَا وَخَفَّفَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا إلَى صَلاَةِ الْخُسُوفِ ثُمَّ يَخْطُبُ لِلْعِيدِ وَلِلْخُسُوفِ وَلاَ يَضُرُّهُ أَنْ يَخْطُبَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَهُمَا، وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ بَدَأَ بِصَلاَةِ الْخُسُوفِ وَخَفَّفَ فَقَرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَمَا أَشْبَهَهَا، ثُمَّ يَخْطُبُ لِلْجُمُعَةِ وَيَذْكُرُ فِيهَا الْخُسُوفَ، ثُمَّ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ وَإِنْ خَسَفَ الْقَمَرُ صَلَّى كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهَا صَلاَةُ اللَّيْلِ، فَإِنْ خُسِفَ بِهِ فِي وَقْتِ قُنُوتٍ بَدَأَ بِالْخُسُوفِ قَبْلَ الْوِتْرِ وَقَبْلَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَإِنْ فَاتَتَا؛ لِأَنَّهُمَا صَلاَةُ انْفِرَادٍ وَيَخْطُبُ بَعْدَ صَلاَةِ الْخُسُوفِ لَيْلاً وَنَهَارًا وَيَحُضُّ النَّاسَ عَلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُهُمْ بِالتَّوْبَةِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ وَيُصَلِّي حَيْثُ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ لاَ حَيْثُ يُصَلِّي الْأَعْيَادَ، فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى تَغِيبَ كَاسِفَةً، أَوْ مُنْجَلِيَةً، أَوْ خَسَفَ الْقَمَرُ فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى تُجْلَى أَوْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ لَمْ يُصَلِّ لِلْخُسُوفِ، فَإِنْ غَابَ خَاسِفًا صَلَّى لِلْخُسُوفِ بَعْدَ الصُّبْحِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ وَيُخَفِّفُ لِلْفَرَاغِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَإِنْ طَلَعَتْ أَوْ أَحْرَمَ فَتَجَلَّتْ أَتَمُّوهَا، فَإِنْ جَلَّلَهَا سَحَابٌ أَوْ حَائِلٌ فَهِيَ عَلَى الْخُسُوفِ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ تَجَلِّيَ جَمِيعِهَا، وَإِذَا اجْتَمَعَ أَمْرَانِ فَخَافَ فَوْتَ أَحَدِهِمَا بَدَأَ بِاَلَّذِي يَخَافُ فَوْتَهُ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْآخَرِ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ الْخُسُوفِ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَهُ وَلاَ يَجُوزُ عِنْدِي تَرْكُهَا لِمُسَافِرٍ وَلاَ لِمُقِيمٍ بِإِمَامٍ وَمُنْفَرِدِينَ وَلاَ آمُرُ بِصَلاَةِ جَمَاعَةٍ فِي سِوَاهَا وَآمُرُ بِالصَّلاَةِ مُنْفَرِدِينَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَيَسْتَسْقِي الْإِمَامُ حَيْثُ يُصَلِّي الْعِيدَ وَيَخْرُجُ مُتَنَظِّفًا بِالْمَاءِ وَمَا يَقْطَعُ تَغَيُّرَ الرَّائِحَةِ مِنْ سِوَاكٍ وَغَيْرِهِ فِي ثِيَابِ تَوَاضُعٍ وَفِي اسْتِكَانَةٍ وَمَا أَحْبَبْته لِلْإِمَامِ مِنْ هَذَا أَحْبَبْته لِلنَّاسِ كَافَّةً وَيُرْوَى {عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ خَرَجَ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ بِأَحْسَنِ هَيْئَةٍ} وَرُوِيَ {أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ مُتَوَاضِعًا}، وَقَالَ أَحْسَبُ الَّذِي رَوَاهُ قَالَ مُتَبَذِّلاً. قَالَ: وَأُحِبُّ أَنْ تَخْرُجَ الصِّبْيَانُ وَيَتَنَظَّفُوا لِلِاسْتِسْقَاءِ وَكِبَارُ النِّسَاءِ وَمَنْ لاَ هَيْئَةَ لَهَا مِنْهُنَّ وَأَكْرَهُ إخْرَاجَ مَنْ يُخَالِفُ الْإِسْلاَمَ لِلِاسْتِسْقَاءِ فِي مَوْضِعِ مُسْتَسْقَى الْمُسْلِمِينَ وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ خَرَجُوا مُتَمَيِّزِينَ لَمْ أَمْنَعْهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَيَأْمُرُ الْإِمَامُ النَّاسَ قَبْلَ ذَلِكَ أَنْ يَصُومُوا ثَلاَثًا وَيَخْرُجُوا مِنْ الْمَظَالِمِ وَيَتَقَرَّبُوا إلَى اللَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ- بِمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ خَيْرٍ وَيَخْرُجُ بِهِمْ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ إلَى أَوْسَعِ مَا يَجِدُ وَيُنَادِي: " الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ " ثُمَّ يُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدَيْنِ سَوَاءً وَيَجْهَرُ فِيهِمَا وَرُوِيَ {عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهم أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَيُصَلُّونَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَيُكَبِّرُونَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ سَبْعًا وَخَمْسًا} وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ كَبَّرَ سَبْعًا وَخَمْسًا، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: يُكَبِّرُ مِثْلَ صَلاَةِ الْعِيدَيْنِ سَبْعًا وَخَمْسًا قَالَ ثُمَّ يَخْطُبُ الْخُطْبَةَ الْأُولَى، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ يُقَصِّرُ الْخُطْبَةَ الْآخِرَةَ مُسْتَقْبِلَ النَّاسِ فِي الْخُطْبَتَيْنِ وَيُكْثِرُ فِيهِمَا الِاسْتِغْفَارَ، وَيَقُولُ كَثِيرًا: " {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا}، ثُمَّ يُحَوِّلُ وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ فَيَجْعَلُ طَرَفَهُ الْأَسْفَلَ الَّذِي عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ وَطَرَفَهُ الْأَسْفَلَ الَّذِي عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرَ وَإِنْ حَوَّلَهُ وَلَمْ يُنَكِّسْهُ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ سَاجٌ جَعَلَ مَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ وَمَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَيَفْعَلُ النَّاسُ مِثْلَ ذَلِكَ وَرُوِيَ {عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَتْ عَلَيْهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْفَلِهَا فَيَجْعَلَهُ أَعْلاَهَا فَلَمَّا ثَقُلَتْ عَلَيْهِ قَلَبَهَا}. قَالَ: وَيَدْعُو سِرًّا وَيَدْعُو النَّاسُ مَعَهُ وَيَكُونُ مِنْ دُعَائِهِمْ: " اللَّهُمَّ أَنْتَ أَمَرْتنَا بِدُعَائِك وَوَعَدْتنَا إجَابَتَك فَقَدْ دَعَوْنَاكَ كَمَا أَمَرْتنَا فَأَجِبْنَا كَمَا وَعَدْتنَا اللَّهُمَّ فَامْنُنْ عَلَيْنَا بِمَغْفِرَةِ مَا قَارَفْنَا وَإِجَابَتِكَ إيَّانَا فِي سُقْيَانَا وَسِعَةِ رِزْقِنَا "، ثُمَّ يَدْعُو بِمَا يَشَاءُ مِنْ دِينٍ وَدُنْيَا وَيَبْدَءُونَ وَيَبْدَأُ الْإِمَامُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَيُفَصِّلُ بِهِ كَلاَمَهُ وَيَخْتِمُ بِهِ، ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ فَيَحُضَّهُمْ عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِمْ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَيَقْرَأُ آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ وَيَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، ثُمَّ يَنْزِلُ، فَإِنْ سَقَاهُمْ اللَّهُ وَإِلَّا عَادُوا مِنْ الْغَدِ لِلصَّلاَةِ وَالِاسْتِسْقَاءِ حَتَّى يَسْقِيَهُمْ اللَّهُ. قَالَ: وَإِذَا حَوَّلُوا أَرْدِيَتَهُمْ أَقَرُّوهَا مُحَوَّلَةً كَمَا هِيَ حَتَّى يَنْزِعُوهَا مَتَى نَزَعُوهَا، وَإِنْ كَانَتْ نَاحِيَةٌ جَدْبَةٌ وَأُخْرَى خِصْبَةٌ فَحَسَنٌ أَنْ يَسْتَسْقِيَ أَهْلُ الْخِصْبَةِ لِأَهْلِ الْجَدْبَةِ وَلِلْمُسْلِمِينَ وَيَسْأَلُوا اللَّهَ الزِّيَادَةَ لِلْمُخْصِبِينَ فَإِنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ وَاسِعٌ وَيَسْتَسْقِي حَيْثُ لاَ يَجْمَعُ مِنْ بَادِيَةٍ وَقَرْيَةٍ وَيَفْعَلُهُ الْمُسَافِرُونَ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِإِحَالَةِ فَرْضٍ وَيَفْعَلُونَ مَا يَفْعَلُ أَهْلُ الْأَمْصَارِ مِنْ صَلاَةٍ وَخُطْبَةٍ وَيُجْزِئُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ الْإِمَامُ بِغَيْرِ صَلاَةٍ وَخَلْفَ صَلَوَاتِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ رَبَاحٍ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ {أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا اسْتَسْقَى قَالَ اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ وَلاَ سُقْيَا عَذَابٍ وَلاَ مَحْقٍ وَلاَ بَلاَءٍ وَلاَ هَدْمٍ وَلاَ غَرَقٍ اللَّهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَرُوِيَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا اسْتَسْقَى قَالَ اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا هَنِيئًا مُرِيعًا غَدَقًا مُجَلَّلاً عَامًّا طَبَقًا سَحًّا دَائِمًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنْ الْقَانِطِينَ اللَّهُمَّ إنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلاَدِ وَالْبَهَائِمِ وَالْخَلْقِ مِنْ الْبَلاَءِ وَالْجَهْدِ وَالضَّنْكِ مَا لاَ نَشْكُو إلَّا إلَيْك اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجَهْدَ وَالْجُوعَ وَالْعَرَى وَاكْشِفْ عَنَّا مِنْ الْبَلاَءِ مَا لاَ يَكْشِفُهُ غَيْرُك اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُك إنَّك كُنْت غَفَّارًا فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا}، وَأُحِبُّ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا كُلَّهُ وَلاَ وَقْتَ فِي الدُّعَاءِ لاَ يُجَاوِزُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقَالُ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا بِلاَ عُذْرٍ: لاَ يُصَلِّيهَا غَيْرُك، فَإِنْ صَلَّيْت وَإِلَّا اسْتَتَبْنَاك، فَإِنْ تُبْت وَإِلَّا قَتَلْنَاك كَمَا يُكَفَّرُ فَنَقُولُ إنْ آمَنْت وَإِلَّا قَتَلْنَاك وَقَدْ قِيلَ: يُسْتَتَابُ ثَلاَثًا فَإِنْ صَلَّى فِيهَا وَإِلَّا قُتِلَ وَذَلِكَ حَسَنٌ- إنْ شَاءَ اللَّهُ-. قَالَ الْمُزَنِيّ: قَدْ قَالَ فِي الْمُرْتَدِّ إنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ وَلَمْ يُنْتَظَرْ بِهِ ثَلاَثًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {مَنْ تَرَكَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ} وَقَدْ جُعِلَ تَارِكُ الصَّلاَةِ بِلاَ عُذْرٍ كَتَارِكِ الْإِيمَانِ فَلَهُ حُكْمُهُ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ مِثْلُهُ وَلاَ يُنْتَظَرُ بِهِ ثَلاَثًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِهِ أَوْلِيَاءُ الْمَيِّتِ أَنْ يَتَوَلَّى أَرْفَقُهُمْ بِهِ إغْمَاضَ عَيْنَيْهِ بِأَسْهَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَأَنْ يَشُدَّ لَحْيَهُ الْأَسْفَلَ بِعِصَابَةٍ عَرِيضَةٍ وَيَرْبِطَهَا مِنْ فَوْقِ رَأْسِهِ لِئَلَّا يَسْتَرْخِيَ لَحْيُهُ الْأَسْفَلُ فَيَنْفَتِحَ فُوهُ فَلاَ يَنْطَبِقُ وَيَرُدُّ ذِرَاعَيْهِ حَتَّى يُلْصِقَهُمَا بِعَضُدَيْهِ، ثُمَّ يَمُدَّهُمَا أَوْ يَرُدَّهُمَا إلَى فَخِذَيْهِ وَيَفْعَلُ ذَلِكَ بِمَفَاصِلِ رُكْبَتَيْهِ، وَيَرُدُّ فَخِذَيْهِ إلَى بَطْنِهِ، ثُمَّ يَمُدُّهُمَا وَيُلَيِّنُ أَصَابِعَهُ حَتَّى يتباقى لِينُهُ عَلَى غَاسِلِهِ وَيَخْلَعُ عَنْهُ ثِيَابَهُ وَيُجْعَلُ عَلَى بَطْنِهِ سَيْفٌ، أَوْ حَدِيدٌ وَيُسَجَّى بِثَوْبٍ يُغَطَّى بِهِ جَمِيعُ جَسَدِهِ وَيُجْعَلُ عَلَى لَوْحٍ أَوْ سَرِيرٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُفْضَى بِالْمَيِّتِ إلَى مُغْتَسَلِهِ وَيَكُونُ كَالْمُنْحَدَرِ قَلِيلاً، ثُمَّ يُعَادُ تَلْيِينُ مَفَاصِلِهِ وَيُطْرَحُ عَلَيْهِ مَا يُوَارِي مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إلَى سُرَّتِهِ وَيُسْتَرُ مَوْضِعُهُ الَّذِي يُغْسَلُ فِيهِ فَلاَ يَرَاهُ أَحَدٌ إلَّا غَاسِلُهُ وَمَنْ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ مَعُونَتِهِ عَلَيْهِ وَيَغُضُّونَ أَبْصَارَهُمْ عَنْهُ إلَّا فِيمَا لاَ يُمْكِنُ غَيْرُهُ لِيَعْرِفَ الْغَاسِلُ مَا غَسَلَ وَمَا بَقِيَ، وَيَتَّخِذُ إنَاءَيْنِ إنَاءٌ يَغْرِفُ بِهِ مِنْ الْمَاءِ الْمَجْمُوعِ فَيَصُبُّ فِي الْإِنَاءِ الَّذِي يَلِي الْمَيِّتَ فَمَا تَطَايَرَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ إلَى الْإِنَاءِ الَّذِي يَلِيهِ لَمْ يَصُبَّ الْآخَرُ، وَغَيْرُ الْمُسَخَّنِ مِنْ الْمَاءِ أَحَبُّ إلَيَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَرْدٌ، أَوْ يَكُونَ بِالْمَيِّتِ مَا لاَ يُنَقِّيهِ إلَّا الْمُسَخَّنُ فَيُغَسَّلُ بِهِ، وَيُغَسِّلُ فِي قَمِيصٍ وَلاَ يَمَسُّ عَوْرَةَ الْمَيِّتِ بِيَدِهِ وَيُعِدُّ خِرْقَتَيْنِ نَظِيفَتَيْنِ لِذَلِكَ قَبْلَ غُسْلِهِ، وَيُلْقَى الْمَيِّتُ عَلَى ظَهْرِهِ ثُمَّ يَبْدَأُ غَاسِلُهُ فَيُجْلِسُهُ إجْلاَسًا رَفِيقًا وَيُمِرُّ يَدَهُ عَلَى بَطْنِهِ إمْرَارًا بَلِيغًا وَالْمَاءُ يُصَبُّ عَلَيْهِ لِيَخْفَى شَيْءٌ إنْ خَرَجَ مِنْهُ وَعَلَى يَدِهِ إحْدَى الْخِرْقَتَيْنِ حَتَّى يُنَقِّيَ مَا هُنَالِكَ ثُمَّ يُلْقِهَا لِتُغْسَلَ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْأُخْرَى، ثُمَّ يَبْدَأُ فَيُدْخِلُ أُصْبُعَهُ فِي فِيهِ بَيْنَ شَفَتَيْهِ. وَلاَ يَفْغَرُ فَاهُ فَيُمِرُّهَا عَلَى أَسْنَانِهِ بِالْمَاءِ وَيُدْخِلُ طَرَفَ أُصْبُعَيْهِ فِي مَنْخِرَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ فَيُنَقِّيَ شَيْئًا إنْ كَانَ هُنَاكَ، وَيُوَضِّئُهُ وُضُوءَ الصَّلاَةِ وَيَغْسِلُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ حَتَّى يُنَقِّيَهُمَا، وَيُسَرِّحُهُمَا تَسْرِيحًا رَفِيقًا، ثُمَّ يُغَسِّلُهُ مِنْ صَفْحَةِ عُنُقِهِ الْيُمْنَى وَشِقِّ صَدْرِهِ وَجَنْبِهِ وَفَخِذِهِ وَسَاقِهِ، ثُمَّ يَعُودُ إلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرَ فَيَصْنَعُ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَحْرِفُهُ إلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرَ فَيَغْسِلُ ظَهْرَهُ وَقَفَاهُ وَفَخِذَهُ وَسَاقَهُ الْيُمْنَى وَهُوَ يَرَاهُ مُتَمَكِّنًا ثُمَّ يَحْرِفُهُ إلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيَصْنَعُ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَيَغْسِلُ مَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ وَمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ وَأَلْيَتَيْهِ بِالْخِرْقَةِ وَيَسْتَقْصِي ذَلِكَ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى جَمِيعِهِ الْمَاءَ الْقَرَاحَ وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كَافُورٌ. قَالَ: وَأَقَلُّ غُسْلِ الْمَيِّتِ فِيمَا أُحِبُّ ثَلاَثًا، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْإِنْقَاءَ فَخَمْسًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمَنْ غَسَّلَ ابْنَتَهُ {اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا، أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ}. قَالَ وَيَجْعَلُ فِي كُلِّ مَاءٍ قَرَاحٍ كَافُورًا وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ إلَّا فِي الْآخِرَةِ أَجْزَأَهُ وَيَتَتَبَّعُ مَا بَيْنَ أَظَافِرِهِ بِعُودٍ، وَلاَ يَخْرُجُ حَتَّى يُخْرِجَ مَا تَحْتَهَا مِنْ الْوَسَخِ وَكُلَّمَا صَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ الْقَرَاحَ بَعْدَ السِّدْرِ حَسِبَهُ غُسْلاً وَاحِدًا وَيَتَعَاهَدُ مَسْحَ بَطْنِهِ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ، وَيُقْعِدُهُ عِنْدَ آخِرِ غَسْلَةٍ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَنْقَاهُ بِالْخِرْقَةِ كَمَا وَصَفْت وَأَعَادَ عَلَيْهِ غُسْلَهُ، ثُمَّ يُنَشِّفُ فِي ثَوْبٍ، ثُمَّ يَصِيرُ فِي أَكْفَانِهِ وَإِنْ غَسَلَ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ مَرَّةً أَجْزَأَهُ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ رَأَى حَلْقَ الشَّعْرِ وَتَقْلِيمَ الْأَظْفَارِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَرَهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ: وَتَرْكُهُ أَعْجَبُ إلَيَّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ إلَى بَلَى عَنْ قَلِيلٍ وَنَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ ذَلِكَ الْمَصِيرِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يَقْرَبُ الْمُحْرِمُ الطِّيبَ فِي غُسْلِهِ وَلاَ حَنُوطِهِ وَلاَ يُخَمِّرُ رَأْسَهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ اللَّذَيْنِ مَاتَ فِيهِمَا وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ} وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: {لاَ تُقَرِّبُوهُ طِيبًا فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا} وَإِنَّ ابْنًا لِعُثْمَانَ تُوُفِّيَ مُحْرِمًا فَلَمْ يُخَمِّرْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُقَرِّبْهُ طِيبًا. قَالَ وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِ الْمَيِّتِ مِجْمَرَةٌ لاَ تَنْقَطِعُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ غُسْلِهِ فَإِذَا رَأَى مِنْ الْمَيِّتِ شَيْئًا لاَ يَتَحَدَّثُ بِهِ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ سَتْرِ أَخِيهِ. قَالَ: وَأَوْلاَهُمْ بِغُسْلِهِ أَوْلاَهُمْ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ وَيُغَسِّلُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَالْمَرْأَةُ زَوْجَهَا. غَسَّلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ زَوْجَهَا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه وَعَلِيٌّ امْرَأَتَهُ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَتْ عَائِشَةُ لَوْ اسْتَقْبَلْنَا مِنْ أَمْرِنَا مَا اسْتَدْبَرْنَا مَا غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا نِسَاؤُهُ. قَالَ وَلَيْسَ لِلْعِدَّةِ مَعْنًى يَحِلُّ لِأَحَدِهِمَا فِيهَا مَا لاَ يَحِلُّ لَهُ مِنْ صَاحِبِهِ وَيُغَسِّلُ الْمُسْلِمُ قَرَابَتَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَيَتْبَعُ جِنَازَتَهُ وَلاَ يُصَلِّي عَلَيْهِ {لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ عَلِيًّا فَغَسَّلَ أَبَا طَالِبٍ}.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأُحِبُّ عَدَدَ الْكَفَنِ إلَى ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ رِيَاطٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُفِّنَ فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ. قَالَ وَيُجَمَّرُ بِالْعُودِ حَتَّى يَعْبَقَ بِهَا، ثُمَّ يُبْسَطُ أَحْسَنُهَا وَأَوْسَعُهَا، ثُمَّ الثَّانِيَةُ عَلَيْهَا، ثُمَّ الَّتِي تَلِي الْمَيِّتَ وَيَذَرُّ فِيمَا بَيْنَهَا الْحَنُوطَ، ثُمَّ يَحْمِلُ الْمَيِّتَ فَيُوضَعُ فَوْقَ الْعُلْيَا مِنْهَا مُسْتَلْقِيًا، ثُمَّ يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْ قُطْنٍ مَنْزُوعِ الْحَبِّ فَيَجْعَلُ فِيهِ الْحَنُوطَ وَالْكَافُورَ ثُمَّ يُدْخِلُهُ بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ إدْخَالاً بَلِيغًا وَيُكْثِرُ لِيَرُدَّ شَيْئًا إنْ جَاءَ مِنْهُ عِنْدَ تَحْرِيكِهِ إذَا حُمِلَ وَزُعْزِعَ وَيَشُدُّ عَلَيْهِ خِرْقَةً مَشْقُوقَةَ الطَّرَفِ تَأْخُذُ أَلْيَتَيْهِ وَعَانَتِهِ، ثُمَّ يُشَدُّ عَلَيْهِ كَمَا يُشَدُّ التُّبَّانُ الْوَاسِعُ. قَالَ الْمُزَنِيّ: لاَ أُحِبُّ مَا قَالَ مِنْ إبْلاَغِ الْحَشْوِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ قُبْحًا يَتَنَاوَلُ بِهِ حُرْمَتَهُ وَلَكِنْ يُجْعَلُ كَالْمَوْزَةِ مِنْ الْقُطْنِ فِيمَا بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ، وَسُفْرَةُ قُطْنٍ تَحْتَهَا، ثُمَّ يُضَمُّ إلَى أَلْيَتَيْهِ وَالشِّدَادُ مِنْ فَوْقِ ذَلِكَ كَالتُّبَّانِ يُشَدُّ عَلَيْهِ، فَإِنْ جَاءَ مِنْهُ شَيْءٌ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ فَهَذَا أَحْسَنُ فِي كَرَامَتِهِ مِنْ انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيَأْخُذُ الْقُطْنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ الْحَنُوطَ وَالْكَافُورَ فَيَضَعُهُ عَلَى فِيهِ وَمَنْخِرَيْهِ وَعَيْنَيْهِ وَأُذُنَيْهِ وَمَوْضِعِ سُجُودِهِ، وَإِنْ كَانَتْ بِهِ جِرَاحٌ نَافِذَةٌ وَضَعَ عَلَيْهَا وَيُحَنِّطُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِالْكَافُورِ وَعَلَى مَسَاجِدِهِ وَيُوضَعُ الْمَيِّتُ مِنْ الْكَفَنِ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي يَبْقَى مِنْهُ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ أَقَلُّ مِمَّا يَبْقَى مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ، ثُمَّ يَثْنِي عَلَيْهِ ضَيِّقَ الثَّوْبِ الَّذِي يَلِيهِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ يَثْنِي ضَيِّقَ الثَّوْبِ الْآخَرِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ كَمَا وَصَفْت كَمَا يَشْتَمِلُ الْحَيُّ بِالسِّيَاجِ، ثُمَّ يَصْنَعُ بِالْأَثْوَابِ كُلِّهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ يَجْمَعُ مَا عِنْدَ رَأْسِهِ مِنْ الثِّيَابِ جَمْعَ الْعِمَامَةِ، ثُمَّ يَرُدُّهُ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ يَرُدُّ مَا عَلَى رِجْلَيْهِ عَلَى ظُهُورِ رِجْلَيْهِ إلَى حَيْثُ بَلَغَ، فَإِنْ خَافُوا أَنْ تَنْتَشِرَ الْأَكْفَانُ عَقَدُوهَا عَلَيْهِ فَإِذَا أَدْخَلُوهُ الْقَبْرَ حَلُّوهَا وَأَضْجَعُوهُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ وَوَسَّدُوا رَأْسَهُ بِلَبِنَةٍ وَأَسْنَدُوهُ لِئَلَّا يَسْتَلْقِيَ عَلَى ظَهْرِهِ وَأَدْنَوْهُ إلَى اللَّحْدِ مِنْ مُقَدِّمَتِهِ لِئَلَّا يَنْكَبَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَيُنْصَبُ اللَّبِنُ عَلَى اللَّحْدِ وَيُسَدُّ فَرْجُ اللَّبِنِ ثُمَّ يُهَالُ التُّرَابُ عَلَيْهِ وَالْإِهَالَةُ أَنْ يَطْرَحَ مِنْ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ التُّرَابَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا، ثُمَّ يُهَالُ بِالْمَسَاحِي وَلاَ أُحِبُّ أَنْ يُرَدَّ فِي الْقَبْرِ أَكْثَرُ مِنْ تُرَابِهِ لِئَلَّا يَرْتَفِعَ جِدًّا، وَيُشْخَصُ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ وَيُرَشُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَيُوضَعُ عَلَيْهِ الْحَصْبَاءُ وَيُوضَعُ عِنْدَ رَأْسِهِ صَخْرَةٌ، أَوْ عَلاَمَةٌ مَا كَانَتْ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْقَبْرِ فَقَدْ أَكْمَلَ وَيَنْصَرِفُ مَنْ شَاءَ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ إذَا وُورِيَ فَذَلِكَ لَهُ وَاسِعٌ. قَالَ وَبَلَغَنَا {عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سَطَّحَ قَبْرَ ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام وَوَضَعَ عَلَيْهِ حَصْبَاءَ مِنْ حَصْبَاءِ الْعَرْصَةِ وَأَنَّهُ عليه السلام رَشَّ عَلَى قَبْرِهِ} وَرُوِيَ عَنْ الْقَاسِمِ قَالَ رَأَيْت قَبْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مُسَطَّحَةً. قَالَ وَلاَ تُبْنَى الْقُبُورُ وَلاَ تُجَصَّصُ. قَالَ: وَالْمَرْأَةُ فِي غُسْلِهَا كَالرَّجُلِ وَتُتَعَهَّدُ بِأَكْثَرَ مَا يُتَعَهَّدُ بِهِ الرَّجُلُ وَأَنْ يُضَفَّرَ شَعْرُ رَأْسِهَا ثَلاَثَةَ قُرُونٍ فَيُلْقَيْنَ خَلْفَهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِذَلِكَ أُمَّ عَطِيَّةَ فِي ابْنَتِهِ وَبِأَمْرِهِ غَسَّلَتْهَا. قَالَ الْمُزَنِيّ: وَتُكَفَّنُ بِخَمْسَةِ أَثْوَابٍ خِمَارٍ وَإِزَارٍ وَثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ. قَالَ الْمُزَنِيّ: وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهَا دِرْعًا لِمَا رَأَيْت فِيهِ مِنْ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ قَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ مَرَّةً مَعَهَا، ثُمَّ خَطَّ عَلَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمُؤْنَةُ الْمَيِّتِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ دُونَ وَرَثَتِهِ وَغُرَمَائِهِ فَإِنْ اشْتَجَرُوا فِي الْكَفَنِ فَثَلاَثَةُ أَثْوَابٍ إنْ كَانَ وَسَطًا لاَ مُوسِرًا وَلاَ مُقِلًّا وَمِنْ الْحَنُوطِ بِالْمَعْرُوفِ لاَ سَرَفًا وَلاَ تَقْصِيرًا. قَالَ: وَيُغَسَّلُ السَّقْطُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ إنْ اسْتَهَلَّ وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَدُفِنَ وَالْخِرْقَةُ الَّتِي تُوَارِيهِ لِفَافَةُ تَكْفِينِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَالشُّهَدَاءُ الَّذِينَ عَاشُوا وَأَكَلُوا الطَّعَامَ، أَوْ بَقُوا مُدَّةً يَنْقَطِعُ فِيهَا الْحَرْبُ وَإِنْ لَمْ يَطْعَمُوا كَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمَوْتَى وَاَلَّذِينَ قَتَلَهُمْ الْمُشْرِكُونَ فِي الْمُعْتَرَكِ يُكَفَّنُونَ بِثِيَابِهِمْ الَّتِي قُتِلُوا بِهَا إنْ شَاءَ أَوْلِيَاؤُهُمْ وَتُنْزَعُ عَنْهُمْ الْخِفَافُ وَالْفِرَاءُ وَالْجُلُودُ وَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عَامِّ لِبَاسِ النَّاسِ وَلاَ يُغَسَّلُونَ وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ {عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ}. قَالَ وَعُمَرُ شَهِيدٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُقْتَلْ فِي الْمُعْتَرَكِ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَالْغُسْلُ وَالصَّلاَةُ سُنَّةٌ لاَ يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا مَنْ أَخْرَجَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَرُوِيَ {عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ حَمَلَ فِي جِنَازَةِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ} وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ حَمَلَ سَرِيرَ ابْنِ عَوْفٍ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ عَلَى كَاهِلِهِ وَأَنَّ عُثْمَانَ حَمَلَ بَيْنَ عَمُودَيْ سَرِيرِ أُمِّهِ فَلَمْ يُفَارِقْهُ حَتَّى وُضِعَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ حَمَلَ بَيْنَ عَمُودَيْ سَرِيرِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ حَمَلَ بَيْنَ عَمُودَيْ سَرِيرِ الْمِسْوَرِ. قَالَ: وَوَجْهُ حَمْلِهَا مِنْ الْجَوَانِبِ أَنْ يَضَعَ يَاسِرَةَ السَّرِيرِ الْمُقَدَّمَةَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ يَاسِرَتَهُ الْمُؤَخَّرَةَ، ثُمَّ يَامِنَةَ السَّرِيرِ الْمُقَدَّمَةَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ يَامِنَتَهُ الْمُؤَخَّرَةَ، فَإِنْ كَثُرَ النَّاسُ أَحْبَبْت أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُ حَمْلِهِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ وَمِنْ أَيْنَ حُمِلَ فَحَسَنٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْمَشْيُ بِالْجِنَازَةِ الْإِسْرَاعُ وَهُوَ فَوْقَ سَجِيَّةِ الْمَشْيِ وَالْمَشْيُ أَمَامَهَا أَفْضَلُ {; لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانُوا يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ}.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْوَلِيُّ أَحَقُّ بِالصَّلاَةِ مِنْ الْوَالِي؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْأُمُورِ الْخَاصَّةِ وَأَحَقُّ قَرَابَتِهِ الْأَبُ، ثُمَّ الْجَدُّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، ثُمَّ الْوَلَدُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ، ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبِ، ثُمَّ أَقْرَبُهُمْ بِهِ عَصَبَةً فَإِنْ اجْتَمَعَ لَهُ أَوْلِيَاءُ فِي دَرَجَةٍ فَأَحَبُّهُمْ إلَيَّ أَسَنُّهُمْ فَإِنْ لَمْ يُحْمَدْ حَالُهُ فَأَفْضَلُهُمْ وَأَفْقَهُهُمْ فَإِنْ اسْتَوَوْا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ وَالْوَلِيُّ الْحُرُّ أَوْلَى مِنْ الْوَلِيِّ الْمَمْلُوكِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَيُصَلَّى عَلَى الْجَنَائِزِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَإِنْ اجْتَمَعَتْ جَنَائِزُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَأَرَادُوا الْمُبَادَرَةَ جَعَلُوا النِّسَاءَ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ، ثُمَّ الصِّبْيَانُ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الرِّجَالُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ. قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْت أَنَا: وَالْخَنَاثَى فِي مَعْنَاهُ يَكُونُ النِّسَاءُ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الصِّبْيَانِ كَمَا جَعَلَهُمْ فِي الصَّلاَةِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.
قَالَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ: الْقِيَامُ فِي الْجَنَائِزِ مَنْسُوخٌ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ إبْرَاهِيمُ: قَالَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمِصِّيصِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ {عَنْ قَيْسِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ شَهِدَ جِنَازَةً مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَرَأَى النَّاسَ قِيَامًا يَنْتَظِرُونَ أَيْنَ تُوضَعُ فَأَشَارَ إلَيْهِمْ بِدُرَّةٍ أَوْ سَوْطٍ اجْلِسُوا فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ جَلَسَ بَعْدَمَا كَانَ يَقُومُ} قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ مَسْعُودٍ عَنْ عَلِيٍّ مِثْلَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَبَّرَ أَرْبَعًا وَقَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى} وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَجَهَرَ بِهَا وَقَالَ إنَّمَا فَعَلْت لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ كُلَّمَا كَبَّرَ عَلَى الْجِنَازَةِ وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ مِثْلُهُ. قَالَ وَيُكَبِّرُ الْمُصَلِّي عَلَى الْمَيِّتِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ الثَّانِيَةَ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ كَذَلِكَ ثُمَّ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ الثَّالِثَةَ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ كَذَلِكَ وَيَدْعُو لِلْمَيِّتِ فَيَقُولُ: " اللَّهُمَّ عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك خَرَجَ مِنْ رَوَحِ الدُّنْيَا وَسِعَتِهَا وَمَحْبُوبِهِ وَأَحِبَّائِهِ فِيهَا إلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَمَا هُوَ لاَقِيهِ وَكَانَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُك وَرَسُولُك وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ اللَّهُمَّ نَزَلَ بِك وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ وَأَصْبَحَ فَقِيرًا إلَى رَحْمَتِك وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ وَقَدْ جِئْنَاك رَاغِبِينَ إلَيْك شُفَعَاءَ لَهُ، اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ وَلَقِّهِ بِرَحْمَتِك رِضَاكَ وَقِه فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَهُ وَأَفْسِحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَجَافِ الْأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ وَلَقِّهِ بِرَحْمَتِك الْأَمْنَ مِنْ عَذَابِك حَتَّى تَبْعَثَهُ إلَى جَنَّتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ثُمَّ يُكَبِّرُ الرَّابِعَةَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ وَيُخْفِي الْقِرَاءَةَ وَالدُّعَاءَ وَيَجْهَرُ بِالسَّلاَمِ. قَالَ وَمَنْ فَاتَهُ بَعْضُ الصَّلاَةِ افْتَتَحَ وَلَمْ يَنْتَظِرْ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ، ثُمَّ قَضَى مَكَانَهُ وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ. وَرُوِيَ {عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ} وَعَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ مِثْلُهُ. قَالَ وَلاَ يُدْخِلُ الْمَيِّتَ قَبْرَهُ إلَّا الرِّجَالُ مَا كَانُوا مَوْجُودِينَ وَيُدْخِلُهُ مِنْهُمْ أَفْقَهُهُمْ وَأَقْرَبُهُمْ بِهِ رَحِمًا، وَيُدْخِلُ الْمَرْأَةَ زَوْجُهَا وَأَقْرَبُهُمْ بِهَا رَحِمًا وَيَسْتُرُ عَلَيْهَا بِثَوْبٍ إذَا أُنْزِلَتْ الْقَبْرَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونُوا وِتْرًا ثَلاَثَةً، أَوْ خَمْسَةً. قَالَ وَيُسَلُّ الْمَيِّتُ سَلًّا مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُلَّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ}. قَالَ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ أَبِي الصَّبَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ الْمِنْهَالِ عَنْ خَلِيفَةَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ قَبْرًا لَيْلاً فَأُسْرِجَ لَهُ وَأَخَذَهُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ}. قَالَ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ مَنِيعٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلاً مِنْ الْأَنْصَارِ مَاتَ فَشَهِدَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَأَدْخَلَهُ مِنْ قِبَلِ رِجْلِهِ الْقَبْرَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أُدْخِلَ الْمَيِّتُ قَبْرَهُ قَالَ الَّذِينَ يُدْخِلُونَهُ " بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ سَلَّمَهُ إلَيْك الْأَشِحَّاءُ مِنْ وَلَدِهِ وَأَهْلِهِ وَقَرَابَتِهِ وَإِخْوَانِهِ وَفَارَقَ مَنْ كَانَ يُحِبُّ قُرْبَهُ وَخَرَجَ مِنْ سِعَةِ الدُّنْيَا وَالْحَيَاةِ إلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَضِيقِهِ وَنَزَلَ بِكَ وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ إنْ عَاقَبْته فَبِذَنْبِهِ وَإِنْ عَفَوْت فَأَنْتَ أَهْلُ الْعَفْوِ أَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ وَهُوَ فَقِيرٌ إلَى رَحْمَتِك اللَّهُمَّ اُشْكُرْ حَسَنَاتِهِ وَاغْفِرْ سَيِّئَاتِهِ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَاجْمَعْ لَهُ بِرَحْمَتِك الْأَمْنَ مِنْ عَذَابِك وَاكْفِهِ كُلَّ هَوْلٍ دُونَ الْجَنَّةِ اللَّهُمَّ اُخْلُفْهُ فِي تَرِكَتِهِ فِي الْغَابِرِينَ وَارْفَعْهُ فِي عِلِّيِّينَ وَعُدْ عَلَيْهِ بِفَضْلِ رَحْمَتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ".
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأُحِبُّ تَعْزِيَةَ أَهْلِ الْمَيِّتِ رَجَاءَ الْأَجْرِ بِتَعْزِيَتِهِمْ وَأَنْ يُخَصَّ بِهَا خِيَارُهُمْ وَضُعَفَاؤُهُمْ عَنْ احْتِمَالِ مُصِيبَتِهِمْ وَيُعَزَّى الْمُسْلِمُ بِمَوْتِ أَبِيهِ النَّصْرَانِيِّ فَيَقُولُ: " أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَأَخْلَفَ عَلَيْك " وَيَقُولُ فِي تَعْزِيَةِ النَّصْرَانِيِّ لِقَرَابَتِهِ " أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك وَلاَ نَقَصَ عَدَدَك " وَقَالَ وَأُحِبُّ لِقَرَابَةِ الْمَيِّتِ وَجِيرَانِهِ أَنْ يَعْمَلُوا لِأَهْلِ الْمَيِّتِ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ طَعَامًا يَسَعُهُمْ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ وَفِعْلُ أَهْلِ الْخَيْرِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَأُرَخِّصُ فِي الْبُكَاءِ بِلاَ نَدْبٍ وَلاَ نِيَاحَةٍ لِمَا فِي النَّوْحِ مِنْ تَجْدِيدِ الْحُزْنِ وَمَنْعِ الصَّبْرِ وَعَظِيمِ الْإِثْمِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ} وَذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعَائِشَةَ فَقَالَتْ:- رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ- وَاَللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ الْمَيِّتَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ " وَلَكِنْ قَالَ " إنَّ اللَّهَ يَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ". قَالَ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ حَسْبُكُمْ الْقُرْآنُ {لاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وَقَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ عِنْدَ ذَلِكَ: اللَّهُ أَضْحَكَ وَأَبْكَى. قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا رَوَتْ عَائِشَةُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَشْبَهُ بِدَلاَلَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ {لاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وَقَالَ {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} {, وَقَالَ عليه السلام لِرَجُلٍ فِي ابْنِهِ إنَّهُ لاَ يَجْنِي عَلَيْك وَلاَ تَجْنِي عَلَيْهِ} وَمَا زِيدَ فِي عَذَابِ الْكَافِرِ فَبِاسْتِيجَابِهِ لَهُ لاَ بِذَنْبِ غَيْرِهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ بَلَغَنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يُوصُونَ بِالْبُكَاءِ عَلَيْهِ وَبِالنِّيَاحَةِ أَوْ بِهِمَا وَهِيَ مَعْصِيَةٌ وَمَنْ أَمَرَ بِهَا فَعُمِلَتْ بَعْدَهُ كَانَتْ لَهُ ذَنْبًا فَيَجُوزُ أَنْ يُزَادَ بِذَنْبِهِ عَذَابًا- كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ- لاَ بِذَنْبِ غَيْرِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ أَنَسٍ، أَوْ ابْنِ فُلاَنِ بْنِ أَنَسٍ شَكَّ الشَّافِعِيُّ {عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ هَذِهِ الصَّدَقَةُ بسم الله الرحمن الرحيم هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ بِهَا فَمَنْ سَأَلَهَا عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطَهَا وَمَنْ سَأَلَ فَوْقَهَا فَلاَ يُعْطَهُ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلاَثِينَ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةَ الْجَمَلِ فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَسِتِّينَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ إلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ جَذَعَةٌ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إنْ اسْتَيْسَرَتَا عَلَيْهِ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَإِذَا بَلَغَتْ عَلَيْهِ الْحِقَّةُ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ حِقَّةٌ وَعِنْدَهُ جَذَعَةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ وَيُعْطِيهِ الْمُتَصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ شَاتَيْنِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ثَابِتٌ مِنْ جِهَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ هَذِهِ نُسْخَةُ كِتَابِ عُمَرَ فِي الصَّدَقَةِ الَّتِي كَانَ يَأْخُذُ عَلَيْهَا فَحَكَى هَذَا الْمَعْنَى مِنْ أَوَّلِهِ إلَى قَوْلِهِ: {فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ تَجِبُ الزَّكَاةُ إلَّا بِالْحَوْلِ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَيْءٌ وَلاَ فِيمَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ شَيْءٌ وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، فَإِنْ جَاءَ بِابْنِ لَبُونٍ وَابْنَةِ مَخَاضٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ابْنَ لَبُونٍ ذَكَرًا وَابْنَةُ مَخَاضٍ مَوْجُودَةٌ، وَإِبَانَةٌ أَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ أَنْ تَكُونَ الْإِبِلُ مِائَةً وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ فَيَكُونُ فِيهَا ثَلاَثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَلَيْسَ فِي زِيَادَتِهَا شَيْءٌ حَتَّى تَكْمُلَ مِائَةً وَثَلاَثِينَ فَإِذَا أَكْمَلْتهَا فَفِيهَا حِقَّةٌ وَابْنَتَا لَبُونٍ وَلَيْسَ فِي زِيَادَتِهَا شَيْءٌ حَتَّى تَكْمُلَ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ فَإِذَا أَكْمَلَتْهَا فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَابْنَةُ لَبُونٍ وَلَيْسَ فِي زِيَادَتِهَا شَيْءٌ حَتَّى تَكْمُلَ مِائَةً وَخَمْسِينَ فَإِذَا كَمَّلْتَهَا فَفِيهَا ثَلاَثُ حِقَاقٍ وَلاَ شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَكْمُلَ مِائَةً وَسِتِّينَ فَإِذَا كَمَّلْتَهَا فَفِيهَا أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَلَيْسَ فِي زِيَادَتِهَا شَيْءٌ حَتَّى تَكْمُلَ مِائَةً وَسَبْعِينَ فَإِذَا كَمَّلْتَهَا فَفِيهَا حِقَّةٌ وَثَلاَثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَلاَ شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً وَثَمَانِينَ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَابْنَتَا لَبُونٍ وَلَيْسَ فِي زِيَادَتِهَا شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً وَتِسْعِينَ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا ثَلاَثُ حِقَاقٍ وَابْنَةُ لَبُونٍ وَلاَ شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْنِ فَإِذَا بَلَغَتْهَا، فَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعُ حِقَاقٍ مِنْهَا خَيْرًا مِنْ خَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ أَخَذَهَا الْمُصَدِّقُ وَإِنْ كَانَتْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ خَيْرًا مِنْهَا أَخَذَهَا لاَ يَحِلُّ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنْ أَخَذَ مِنْ رَبِّ الْمَالِ الصِّنْفَ الْأَدْنَى كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ الْفَضْلَ فَيُعْطِيَهُ أَهْلَ السُّهْمَانِ، فَإِنْ وَجَدَ أَحَدَ الصِّنْفَيْنِ وَلَمْ يَجِدْ الْآخَرَ أَخَذَ الَّذِي وَجَدَ وَلاَ يُفَرِّقُ الْفَرِيضَةَ وَإِنْ كَانَ الْفَرْضَانِ مَعِيبَيْنِ بِمَرَضٍ، أَوْ هُيَامٍ أَوْ جَرَبٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَسَائِرُ الْإِبِلِ صِحَاحٌ قِيلَ لَهُ إنْ جِئْت بِالصِّحَاحِ وَإِلَّا أَخَذْنَا مِنْك السِّنَّ الَّتِي هِيَ أَعْلَى وَرَدَدْنَا، أَوْ السِّنَّ الَّتِي هِيَ أَسْفَلُ وَأَخَذْنَا وَالْخِيَارُ فِي الشَّاتَيْنِ، أَوْ الْعِشْرِينَ دِرْهَمًا إلَى الَّذِي أَعْطَى وَلاَ يَخْتَارُ السَّاعِي إلَّا مَا هُوَ خَيْرٌ لِأَهْلِ السُّهْمَانِ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ أَعْلَى بِسِنِينَ، أَوْ أَسْفَلَ فَالْخِيَارُ بَيْنَ أَرْبَعِ شِيَاهٍ، أَوْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَلاَ يَأْخُذُ مَرِيضًا وَفِي الْإِبِلِ عَدَدٌ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا مَعِيبَةً لَمْ يُكَلِّفْهُ صَحِيحًا مِنْ غَيْرِهَا وَيَأْخُذُ جَبْرَ الْمَعِيبِ، وَإِذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ جَذَعَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَاخِضًا إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ، وَلَوْ كَانَتْ إبِلُهُ مَعِيبَةً وَفَرِيضَتُهَا شَاةً وَكَانَتْ أَكْثَرَ ثَمَنًا مِنْ بَعِيرٍ مِنْهَا قِيلَ: لَك الْخِيَارُ فِي أَنْ تُعْطِيَ بَعِيرًا مِنْهَا تَطَوُّعًا مَكَانَهَا، أَوْ شَاةً مِنْ غَنَمِك تَجُوزُ أُضْحِيَّةٌ، فَإِنْ كَانَتْ غَنَمُهُ مَعْزًا فَثَنِيَّةٌ أَوْ ضَأْنًا فَجَذَعَةٌ وَلاَ أَنْظُرُ إلَى الْأَغْلَبِ فِي الْبَلَدِ لِأَنَّهُ إنَّمَا قِيلَ: إنَّ عَلَيْهِ شَاةً مِنْ شَاةِ بَلَدِهِ تَجُوزُ فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ، وَإِذَا كَانَتْ إبِلُهُ كِرَامًا لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ الصَّدَقَةَ دُونَهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ لِئَامًا لَمْ يَكُنْ لَنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهَا كِرَامًا وَإِذَا عَدَّ عَلَيْهِ السَّاعِي فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ حَتَّى نَقَصَتْ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ فَرَّطَ فِي دَفْعِهَا فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَمَا هَلَكَ، أَوْ نَقَصَ فِي يَدَيْ السَّاعِي فَهُوَ أَمِينٌ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ مِثْلَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ مُعَاذًا أَخَذَ مِنْ ثَلاَثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا وَمِنْ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً. قَالَ وَرُوِيَ {أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ مُعَاذًا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ثَلاَثِينَ تَبِيعًا وَمِنْ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً نَصًّا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا مَا لاَ أَعْلَمُ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَقِيته خِلاَفًا وَرُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ {أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يَأْخُذُ مِنْ ثَلاَثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا وَمِنْ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً وَأَنَّهُ أُتِيَ بِدُونِ ذَلِكَ فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، وَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ شَيْئًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَلْقَاهُ فَأَسْأَلَهُ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ مُعَاذٌ وَأَنَّ مُعَاذًا أُتِيَ بِوَقْصِ الْبَقَرِ فَقَالَ لَمْ يَأْمُرْنِي فِيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِشَيْءٍ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْوَقْصُ مَا لَمْ يَبْلُغْ الْفَرِيضَةَ. قَالَ: وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ وَلَيْسَ فِيمَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ شَيْءٌ وَإِذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ إحْدَى السِّنَّيْنِ وَهُمَا فِي بَقَرَةٍ أَخَذَ الْأَفْضَلَ وَإِذَا وَجَدَ إحْدَاهُمَا لَمْ يُكَلِّفْهُ الْأُخْرَى وَلاَ يَأْخُذُ الْمَعِيبَ وَفِيهَا صِحَاحٌ كَمَا قُلْت فِي الْإِبِلِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ مَعْنَى مَا أَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ أَنْ لَيْسَ فِي الْغَنَمِ صَدَقَةٌ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ فَإِذَا بَلَغْتهَا فَفِيهَا شَاةٌ وَلاَ شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا شَاتَانِ وَلَيْسَ فِي زِيَادَتِهَا شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْنِ وَشَاةً فَإِذَا بَلَغْتهَا فَفِيهَا ثَلاَثُ شِيَاهٍ، ثُمَّ لاَ شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعَمِائَةٍ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ، ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ وَمَا نَقَصَ عَنْ مِائَةٍ فَلاَ شَيْءَ فِيهَا وَتُعَدُّ عَلَيْهِمْ السَّخْلَةُ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه لِسَاعِيهِ اعْتَدَّ عَلَيْهِمْ بِالسَّخْلَةِ يَرُوحُ بِهَا الرَّاعِي وَلاَ تَأْخُذْهَا وَلاَ تَأْخُذْ الْأَكُولَةَ وَلاَ الرُّبَّى وَلاَ الْمَاخِضَ وَلاَ فَحْلَ الْغَنَمِ وَخُذْ الْجَذَعَةَ وَالثَّنِيَّةَ وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ الْمَالِ وَخِيَارِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالرُّبَّى هِيَ الَّتِي يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا وَالْمَاخِضُ الْحَامِلُ وَالْأَكُولَةُ السَّمِينَةُ تُعَدُّ لِلذَّبْحِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبَلَغَنَا {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمُعَاذٍ إيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَبِهَذَا نَأْخُذُ، أَوْ لَمَّا لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا عَلِمْت مَعَ مَا وَصَفْت فِي أَنْ لاَ يُؤْخَذَ أَقَلُّ مِنْ جَذَعَةٍ، أَوْ ثَنِيَّةٍ إذَا كَانَتْ فِي غَنَمِهِ، أَوْ أَعْلَى مِنْهَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ إنَّمَا أَرَادُوا مَا تَجُوزُ أُضْحِيَّةً وَلاَ يُؤْخَذُ أَعْلَى إلَّا أَنْ يَطَّوَّعَ، وَيَخْتَارُ السَّاعِي السِّنَّ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ إذَا كَانَتْ الْغَنَمُ كُلُّهَا وَاحِدَةً فَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا فَوْقَ الثَّنِيَّةِ خَيَّرَ رَبَّهَا فَإِنْ جَاءَ بِثَنِيَّةٍ إنْ كَانَتْ مَعْزًا، أَوْ بِجَذَعَةٍ إنْ كَانَتْ ضَأْنًا إلَّا أَنْ يَطَّوَّعَ فَيُعْطِيَ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهَا نَقْصٌ لاَ تَجُوزُ أُضْحِيَّةً وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ السِّنِّ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ قُبِلَتْ مِنْهُ إنْ جَازَتْ أُضْحِيَّةً إلَّا أَنْ تَكُونَ تَيْسًا فَلاَ تُقْبَلُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي فَرْضِ الْغَنَمِ ذُكُورٌ وَهَكَذَا الْبَقَرُ إلَّا أَنْ يَجِبَ فِيهَا تَبِيعٌ وَالْبَقَرُ ثِيرَانٌ فَيُعْطِيَ ثَوْرًا فَيُقْبَلُ مِنْهُ إذَا كَانَ خَيْرًا مِنْ تَبِيعٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْإِبِلِ بِهَذَا الْمَعْنَى لاَ نَأْخُذُ ذَكَرًا مَكَانَ أُنْثَى إلَّا أَنْ تَكُونَ مَاشِيَتُهُ كُلُّهَا ذُكُورًا. قَالَ وَلاَ يَعْتَدُّ بِالسَّخْلَةِ عَلَى رَبِّ الْمَاشِيَةِ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ السَّخْلُ مِنْ غَنَمِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَيَكُونَ أَصْلُ الْغَنَمِ أَرْبَعِينَ فَصَاعِدًا فَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْغَنَمُ مِمَّا فِيهِ الصَّدَقَةُ فَلاَ يُعْتَدُّ بِالسَّخْلِ حَتَّى تَتِمَّ بِالسَّخْلِ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلَ بِهَا الْحَوْلَ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ رَبِّ الْمَاشِيَةِ. قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعُونَ فَأَمْكَنَهُ أَنْ يُصْدِقَهَا فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَاتَتْ، أَوْ بَعْضَهَا فَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ حَتَّى مَاتَتْ مِنْهَا شَاةٌ فَلاَ زَكَاةَ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَلَوْ أَخْرَجَهَا بَعْدَ حَوْلِهَا فَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهَا إلَى أَهْلِهَا أَوْ الْوَالِي حَتَّى هَلَكَتْ لَمْ تَجْزِ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ فِيمَا بَقِيَ مَا تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ زَكَّى وَإِلَّا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَكُلُّ فَائِدَةٍ مِنْ غَيْرِ نِتَاجِهَا فَهِيَ لِحَوْلِهَا. وَلَوْ نَتَجَتْ أَرْبَعِينَ قَبْلَ الْحَوْلِ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ، ثُمَّ جَاءَ الْمُصَدِّقُ وَهِيَ أَرْبَعُونَ جَدْيًا أَوْ بَهْمَةً، أَوْ بَيْنَ جَدْيٍ وَبَهْمَةٍ، أَوْ كَانَ هَذَا فِي إبِلٍ فَجَاءَ الْمُصَدِّقُ وَهِيَ فِصَالٌ، أَوْ فِي بَقَرٍ وَهِيَ عُجُولٌ أَخَذَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَذَا وَأَخَذَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ أُنْثَى وَمِنْ الْبَقَرِ ذَكَرًا. وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا وَاحِدًا إنْ كَانَتْ الْبَقَرُ ثَلاَثِينَ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعِينَ فَأُنْثَى فَإِذَا كَانَتْ الْعُجُولُ إنَاثًا وَوَجَبَ تَبِيعٌ قِيلَ: إنْ شِئْت فَائِتِ بِذَكَرٍ مِثْلَ أَحَدِهَا وَإِنْ شِئْت أَعْطَيْت مِنْهَا أُنْثَى وَأَنْتَ مُتَطَوِّعٌ بِالْفَضْلِ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي أَنَّهُ لَمْ يَبْطُلْ عَنْ الصِّغَارِ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْأُمَّهَاتِ مَعَ الْأُمَّهَاتِ فَكَذَلِكَ إذَا حَالَ عَلَيْهَا حَوْلُ الْأُمَّهَاتِ وَلاَ نُكَلِّفُهُ كَبِيرَةً مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمَّا قِيلَ: لِي دَعْ الرُّبَّى وَالْمَاخِضَ وَذَاتَ الدَّرِّ وَفَحْلَ الْغَنَمِ وَخُذْ الْجَذَعَةَ وَالثَّنِيَّةَ عَقَلْت أَنَّهُ قِيلَ: لِي دَعْ خَيْرًا مِمَّا تَأْخُذُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ خَيْرٌ مِنْهُ وَدُونَهُ وَخُذْ الْعَدْلَ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَمَا يُشْبِهُ رُبْعَ عُشْرِ مَالِهِ فَإِذَا كَانَتْ عِنْدَهُ أَرْبَعُونَ تُسَاوِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَكُلْفَتُهُ شَاةٌ تُسَاوِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَلَمْ آخُذْ عَدْلاً بَلْ أَخَذْت قِيمَةَ مَالِهِ كُلِّهِ فَلاَ آخُذُ صَغِيرًا وَعِنْدَهُ كَبِيرٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا صَغِيرٌ أَخَذْت الصَّغِيرَ كَمَا أَخَذْت الْأَوْسَطَ مِنْ التَّمْرِ وَلاَ آخُذُ الجعرور فَإِذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا الجعرور أَخَذْت مِنْهُ الجعرور وَلَمْ نُنْقِصْ مِنْ عَدَدِ الْكَيْلِ وَلَكِنْ نَقَصْنَا مِنْ الْجَوْدَةِ لَمَّا لَمْ نَجِدْ الْجَيِّدَ كَذَلِكَ نَقَصْنَا مِنْ السِّنِّ إذَا لَمْ نَجِدْهَا وَلَمْ نُنْقِصْ مِنْ الْعَدَدِ وَلَوْ كَانَتْ ضَأْنًا وَمَعْزًا كَانَتْ سَوَاءً، أَوْ بَقَرًا وَجَوَامِيسَ وَعِرَابًا وَدِرْبَانِيَةً وَإِبِلاً مُخْتَلِفَةً فَالْقِيَاسُ أَنْ نَأْخُذَ مِنْ كُلٍّ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، فَإِنْ كَانَ إبِلُهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ عَشْرٌ مُهْرِيَّةٌ وَعَشْرٌ أَرْحَبِيَّةٌ وَخَمْسٌ عِيدِيَّةٌ فَمَنْ قَالَ يَأْخُذُ مِنْ كُلٍّ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ قَالَ يَأْخُذُ ابْنَةَ مَخَاضٍ بِقِيمَةِ خُمْسَيْ مُهْرِيَّةٍ وَخُمْسَيْ أَرْحَبِيَّةٍ وَخُمْسِ عِيدِيَّةٍ. وَلَوْ أَدَّى فِي أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةً مُتَفَرِّقَةً كَرِهْت ذَلِكَ وَأَجْزَأَهُ وَعَلَى صَاحِبِ الْبَلَدِ الْآخَرِ أَنْ يُصَدِّقَهُ، فَإِنْ اتَّهَمَهُ أَحْلَفَهُ. وَلَوْ قَالَ الْمُصَدِّقُ هِيَ وَدِيعَةٌ، أَوْ لَمْ يَحُلْ عَلَيْهَا الْحَوْلُ صَدَّقَهُ، وَإِنْ اتَّهَمَهُ أَحْلَفَهُ. وَلَوْ شَهِدَ الشَّاهِدَانِ أَنَّ لَهُ هَذِهِ الْمِائَةَ بِعَيْنِهَا مِنْ رَأْسِ الْحَوْلِ فَقَالَ قَدْ بِعْتهَا ثُمَّ اشْتَرَيْتهَا صُدِّقَ، وَلَوْ مَرَّتْ بِهِ سَنَةٌ وَهِيَ أَرْبَعُونَ فَنَتَجَتْ شَاةً فَحَالَتْ عَلَيْهَا سَنَةٌ ثَانِيَةٌ وَهِيَ إحْدَى وَأَرْبَعُونَ فَنَتَجَتْ شَاةً فَحَالَتْ عَلَيْهَا سَنَةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ فَعَلَيْهِ ثَلاَثُ شِيَاهٍ. وَلَوْ ضَلَّتْ، أَوْ غَصَبَهَا أَحْوَالاً فَوَجَدَهَا زَكَّاهَا لِأَحْوَالِهَا وَالْإِبِلُ الَّتِي فَرِيضَتُهَا مِنْ الْغَنَمِ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الشَّاةَ الَّتِي فِيهَا فِي رِقَابِهَا يُبَاعُ مِنْهَا بِغَيْرٍ فَتُؤْخَذُ مِنْهُ إنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا وَهَذَا أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي أَنَّ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ حَالَ عَلَيْهَا ثَلاَثَةُ أَحْوَالٍ ثَلاَثُ شِيَاهٍ فِي كُلِّ حَوْلٍ شَاةٌ. قَالَ الْمُزَنِيّ: الْأَوَّلُ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ لاَ يُسَاوِي وَاحِدُهَا شَاةً لِعُيُوبِهَا إنْ سَلَّمَ وَاحِدًا مِنْهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَاةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ ارْتَدَّ فَحَالَ الْحَوْلُ عَلَى غَنَمِهِ أَوْقَفْته، فَإِنْ تَابَ أُخِذَتْ صَدَقَتُهَا وَإِنْ قُتِلَ كَانَتْ فَيْئًا خُمُسُهَا لِأَهْلِ الْخُمْسِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِأَهْلِ الْفَيْءِ. وَلَوْ غَلَّ صَدَقَتَهُ عُزِّرَ إنْ كَانَ الْإِمَامُ عَدْلاً إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْجَهَالَةَ وَلاَ يُعَزَّرُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ عَدْلاً. وَلَوْ ضَرَبَتْ غَنَمُهُ فُحُولَ الظِّبَاءِ لَمْ يَكُنْ حُكْمُ أَوْلاَدِهَا كَحُكْمِ الْغَنَمِ كَمَا لَمْ يَكُنْ لِلْبَغْلِ فِي السُّهْمَانِ حُكْمُ الْخَيْلِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: جَاءَ الْحَدِيثُ {لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَاَلَّذِي لاَ أَشُكُّ فِيهِ أَنَّ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَقْسِمَا الْمَاشِيَةَ خَلِيطَانِ، وَتَرَاجُعُهُمَا بِالسَّوِيَّةِ أَنْ يَكُونَا خَلِيطَيْنِ فِي الْإِبِلِ فِيهَا الْغَنَمُ فَتُوجَدُ الْإِبِلُ فِي يَدَيْ أَحَدِهِمَا فَيُؤْخَذُ مِنْهُ صَدَقَتُهَا فَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِالسَّوِيَّةِ. قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ الْخَلِيطَانِ الرَّجُلَيْنِ يَتَخَالَطَانِ بِمَاشِيَتِهِمَا وَإِنْ عَرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاشِيَتَهُ وَلاَ يَكُونَانِ خَلِيطَيْنِ حَتَّى يُرِيحَا وَيَسْرَحَا وَيَحْلُبَا مَعًا وَيَسْقِيَا مَعًا وَيَكُونَ فُحُولَتُهُمَا مُخْتَلِطَةً فَإِذَا كَانَا هَكَذَا صَدَّقَا صَدَقَةَ الْوَاحِدِ بِكُلِّ حَالٍ وَلاَ يَكُونَانِ خَلِيطَيْنِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِمَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ اخْتَلَطَا وَيَكُونَانِ مُسْلِمَيْنِ، فَإِنْ تَفَرَّقَا فِي مَرَاحٍ، أَوْ مَسْرَحٍ أَوْ سَقْيٍ، أَوْ فَحْلٍ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ فَلَيْسَا خَلِيطَيْنِ وَيُصْدِقَانِ صَدَقَةَ الِاثْنَيْنِ وَهَكَذَا إذَا كَانَا شَرِيكَيْنِ. قَالَ وَلَمَّا لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا إذَا كَانَ ثَلاَثَةُ خُلَطَاءَ لَوْ كَانَتْ لَهُمْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً أُخِذَتْ مِنْهُمْ وَاحِدَةٌ وَصَدَّقُوا صَدَقَةَ الْوَاحِدِ فَنَقَصُوا الْمَسَاكِينَ شَاتَيْنِ مِنْ مَالِ الْخُلَطَاءِ الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ لَوْ تَفَرَّقَ مَالُهُمْ كَانَتْ فِيهِ ثَلاَثَةُ شِيَاهٍ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَقُولُوا لَوْ كَانَتْ أَرْبَعُونَ شَاةً مِنْ ثَلاَثَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِمْ شَاةٌ؛ لِأَنَّهُ صَدَّقُوا الْخُلَطَاءَ صَدَقَةَ الْوَاحِدِ. قَالَ: وَبِهَذَا أَقُولُ فِي الْمَاشِيَةِ كُلِّهَا وَالزَّرْعِ وَالْحَائِطِ أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ حَائِطًا صَدَقَتُهُ مُجَزَّأَةٌ عَلَى مِائَةِ إنْسَانٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا عَشْرَةُ أَوْسُقٍ أَمَا كَانَتْ فِيهِ صَدَقَةُ الْوَاحِدِ؟ وَمَا قُلْت فِي الْخُلَطَاءِ مَعْنَى الْحَدِيثِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَوْلُ عَطَاءٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَأَلْت عَطَاءً عَنْ الِاثْنَيْنِ، أَوْ النَّفَرِ يَكُونُ لَهُمْ أَرْبَعُونَ شَاةً فَقَالَ عَلَيْهِمْ شَاةٌ " الشَّافِعِيُّ الَّذِي شَكَّ ". قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ {لاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ} لاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ ثَلاَثَةِ خُلَطَاءَ فِي عِشْرِينَ وَمِائَةِ شَاةٍ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ شَاةٌ؛ لِأَنَّهَا إذَا فُرِّقَتْ كَانَ فِيهَا ثَلاَثُ شِيَاهٍ وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ رَجُلٍ لَهُ مِائَةُ شَاةٍ وَشَاةٍ وَرَجُلٍ لَهُ مِائَةُ شَاةٍ، فَإِذَا تُرِكَا مُفْتَرِقِينَ فَعَلَيْهِمَا شَاتَانِ وَإِذَا جُمِعَتَا فَفِيهَا ثَلاَثُ شِيَاهٍ وَالْخَشْيَةُ خَشْيَةُ السَّاعِي أَنْ تَقِلَّ الصَّدَقَةُ وَخَشْيَةُ رَبِّ الْمَالِ أَنْ تَكْثُرَ الصَّدَقَةُ فَأَمَرَ أَنْ يُقَرَّ كُلٌّ عَلَى حَالِهِ. قَالَ: وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا شَاةٌ وَعُدَّتُهُمَا سَوَاءٌ فَظَلَمَ السَّاعِي وَأَخَذَ مِنْ غَنَمِ أَحَدِهِمَا عَنْ غَنَمِهِ وَغَنَمِ الْآخَرِ شَاةً رَبَّى فَأَرَادَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ الشَّاةَ الرُّجُوعَ عَلَى خَلِيطِهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ مَا أُخِذَ عَنْ غَنَمِهِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ إلَّا بِقِيمَةِ نِصْفِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ جَذَعَةً أَوْ ثَنِيَّةً؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ ظُلْمٌ. قَالَ وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً فَأَقَامَتْ فِي يَدِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ بَاعَ نِصْفَهَا، ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا أَخَذَ مِنْ نَصِيبِ الْأَوَّلِ نِصْفَ شَاةٍ لِحَوْلِهِ الْأَوَّلِ فَإِذَا حَالَ حَوْلُهُ الثَّانِي أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ شَاةٍ لِحَوْلِهِ. وَلَوْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ يَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ فَخَالَطَهُ رَجُلٌ بِغَنَمٍ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَلَمْ يَكُونَا شَائِعًا زُكِّيَتْ مَاشِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حَوْلِهَا وَلَمْ يُزَكَّيَا زَكَاةَ الْخَلِيطَيْنِ فِي الْعَامِ الَّذِي اخْتَلَطَا فِيهِ فَإِذَا كَانَ قَابِلَ وَهُمَا خَلِيطَانِ كَمَا هُمَا زُكِّيَا زَكَاةَ الْخَلِيطَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَالَ عَلَيْهِمَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ اخْتَلَطَا، فَإِنْ كَانَتْ مَاشِيَتُهُمَا ثَمَانِينَ وَحَوْلُ أَحَدِهِمَا فِي الْمُحَرَّمِ وَحَوْلُ الْآخَرِ فِي صَفَرٍ أُخِذَ مِنْهُمَا نِصْفُ شَاةٍ فِي الْمُحَرَّمِ وَنِصْفُ شَاةٍ فِي صَفَرٍ. وَلَوْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَرْبَعُونَ شَاةً وَلِأَحَدِهِمَا بِبَلَدٍ آخَرَ أَرْبَعُونَ شَاةً أَخَذَ الْمُصَدِّقُ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ شَاةً ثَلاَثَةُ أَرْبَاعِهَا عَنْ صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ الْغَائِبَةِ وَرُبْعُهَا عَنْ الَّذِي لَهُ عِشْرُونَ لِأَنِّي أَضُمُّ مَالَ كُلِّ رَجُلٍ إلَى مَالِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَتَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَى كُلِّ مَالِكٍ تَامِّ الْمِلْكِ مِنْ الْأَحْرَارِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا، أَوْ مَعْتُوهًا، أَوْ امْرَأَةً لاَ فَرْقَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ كَمَا تَجِبُ فِي مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا لَزِمَ مَالُهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ جِنَايَةٌ، أَوْ مِيرَاثٌ، أَوْ نَفَقَةٌ عَلَى وَالِدٍ، أَوْ وَلَدٍ زَمِنٍ مُحْتَاجٍ وَسَوَاءٌ ذَلِكَ فِي الْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ وَزَكَاةِ الْفِطْرَةِ وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ {ابْتَغُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتِيمِ، أَوْ قَالَ: فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لاَ تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ} وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ أَنَّ الزَّكَاةَ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى. قَالَ: فَأَمَّا مَالُ الْمُكَاتَبِ فَخَارِجٌ مِنْ مِلْكِ مَوْلاَهُ إلَّا بِالْعَجْزِ وَمِلْكُهُ غَيْرُ تَامٍّ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَتَقَ فَكَأَنَّهُ اسْتَفَادَ مِنْ سَاعَتِهِ وَإِنْ عَجَزَ فَكَأَنَّ مَوْلاَهُ اسْتَفَادَ مِنْ سَاعَتِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأُحِبُّ أَنْ يَبْعَثَ الْوَالِي الْمُصَدِّقَ فَيُوَافِي أَهْلَ الصَّدَقَةِ مَعَ حُلُولِ الْحَوْلِ فَيَأْخُذُ صَدَقَاتِهِمْ وَأُحِبُّ ذَلِكَ فِي الْمُحَرَّمِ وَكَذَا رَأَيْت السُّعَاةَ عِنْدَمَا كَانَ الْمُحَرَّمُ شِتَاءً، أَوْ صَيْفًا. قَالَ وَيَأْخُذُهَا عَلَى مِيَاهِ أَهْلِ الْمَاشِيَةِ وَعَلَى رَبِّ الْمَاشِيَةِ أَنْ يُورِدَهَا الْمَاءَ لِتُؤْخَذْ صَدَقَتُهَا عَلَيْهِ وَإِذَا جَرَتْ الْمَاشِيَةُ عَنْ الْمَاءِ فَعَلَى الْمُصَدِّقِ أَنْ يَأْخُذَهَا فِي بُيُوتِ أَهْلِهَا وَأَفْنِيَتِهِمْ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُتْبِعَهَا رَاعِيَةً وَيَحْصُرَهَا إلَى مَضِيقٍ تَخْرُجُ مِنْهُ وَاحِدَةً وَاحِدَةً فَيَعُدُّهَا كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى عِدَّتِهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بِكْرًا فَجَاءَتْهُ إبِلٌ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ قَالَ أَبُو رَافِعٍ فَأَمَرَنِي أَنْ أَقْضِيَهُ إيَّاهَا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّهُ لاَ يَقْضِي مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ وَالصَّدَقَةُ لاَ تَحِلُّ لَهُ إلَّا وَقَدْ تَسَلَّفَ لِأَهْلِهَا مَا يَقْضِيهِ مِنْ مَالِهِمْ وَقَالَ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَالِفِ بِاَللَّهِ {فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ} وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَحْلِفُ وَيُكَفِّرُ، ثُمَّ يَحْنَثُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَبْعَثُ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ إلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ. قَالَ: فَبِهَذَا نَأْخُذُ. قَالَ الْمُزَنِيّ: وَنَجْعَلُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا هُوَ أَوْلَى بِهِ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَسَلَّفَ صَدَقَةَ الْعَبَّاسِ قَبْلَ حُلُولِهَا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا تَسَلَّفَ الْوَالِي لَهُمْ فَهَلَكَ مِنْهُ قَبْلَ دَفْعِهِ إلَيْهِمْ وَقَدْ فَرَّطَ، أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ فَهُوَ ضَامِنٌ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِمْ أَهْلَ رُشْدٍ لاَ يُوَلَّى عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ الَّذِي يَأْخُذُ لَهُ مَا لاَ صَلاَحَ لَهُ إلَّا بِهِ. وَلَوْ اسْتَسْلَفَ لِرَجُلَيْنِ بَعِيرًا فَأَتْلَفَاهُ وَمَاتَا قَبْلَ الْحَوْلِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمَا لِأَهْلِ السُّهْمَانِ لِأَنَّهُمَا لَمَّا لَمْ يَبْلُغَا الْحَوْلَ عَلِمْنَا أَنَّهُ لاَ حَقَّ لَهُمَا فِي صَدَقَةٍ قَدْ حَلَّتْ فِي حَوْلٍ لَمْ يَبْلُغَاهُ، وَلَوْ مَاتَا بَعْدَ الْحَوْلِ كَانَا قَدْ اسْتَوْفَيَا الصَّدَقَةَ، وَلَوْ أَيْسَرَا قَبْلَ الْحَوْلِ، فَإِنْ كَانَ يُسْرُهُمَا مِمَّا دَفَعَ إلَيْهِمَا فَإِنَّمَا بُورِكَ لَهُمَا فِي حَقِّهِمَا فَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ يُسْرُهُمَا مِنْ غَيْرِ مَا أَخَذَا أُخِذَ مِنْهُمَا مَا دَفَعَ إلَيْهِمَا لِأَنَّ الْحَوْلَ لَمْ يَأْتِ إلَّا وَهُمَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الصَّدَقَةِ. وَلَوْ عَجَّلَ رَبُّ الْمَالِ زَكَاةَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ قَبْلَ الْحَوْلِ وَهَلَكَ مَالُهُ قَبْلَ الْحَوْلِ فَوَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ الْمُعْطَى لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَى مِنْ مَالِهِ مُتَطَوِّعًا لِغَيْرِ ثَوَابٍ، وَلَوْ مَاتَ الْمُعْطَى قَبْلَ الْحَوْلِ وَفِي يَدَيْ رَبِّ الْمَالِ مِائَتَا دِرْهَمٍ إلَّا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ وَمَا أَعْطَى كَمَا تَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ أَنْفَقَهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى. وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ لَهُ مَالٌ لاَ تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ فَأَخْرَجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ فَقَالَ إنْ أَفَدْت مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَهَذِهِ زَكَاتُهَا لَمْ يَجُزْ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهَا بِلاَ سَبَبِ مَالٍ تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ فَيَكُونُ قَدْ عَجَّلَ شَيْئًا لَيْسَ عَلَيْهِ إنْ حَالَ عَلَيْهِ فِيهِ حَوْلٌ. وَإِذَا عَجَّلَ شَاتَيْنِ مِنْ مِائَتَيْ شَاةٍ فَحَالَ الْحَوْلُ وَقَدْ زَادَتْ شَاةً أَخَذَ مِنْهَا شَاةً ثَالِثَةً فَيَجْزِي عَنْهُ مَا أَعْطَى مِنْهُ وَلاَ يُسْقِطُ تَقْدِيمُهُ الشَّاتَيْنِ الْحَقَّ عَلَيْهِ فِي الشَّاةِ الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَوْلِ كَمَا لَوْ أَخَذَ مِنْهَا شَاتَيْنِ فَحَالَ الْحَوْلُ وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا شَاةٌ رَدَّ عَلَيْهِ شَاةً.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا وَلَّى إخْرَاجَ زَكَاتِهِ لَمْ يَجْزِهِ إلَّا بِنِيَّةِ أَنَّهُ فَرْضٌ وَلاَ يُجْزِئُهُ ذَهَبٌ عَنْ وَرِقٍ وَلاَ وَرِقٌ عَنْ ذَهَبٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ. وَلَوْ أَخْرَجَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَقَالَ إنْ كَانَ مَالِي الْغَائِبُ سَالِمًا فَهَذِهِ زَكَاتُهُ أَوْ نَافِلَةٌ فَكَانَ مَالُهُ سَالِمًا لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِالنِّيَّةِ قَصْدَ فَرْضٍ خَالِصٍ إنَّمَا جَعَلَهَا مُشْتَرِكَةً بَيْنَ فَرْضٍ وَنَافِلَةٍ، وَلَوْ قَالَ عَنْ مَالِي الْغَائِبِ إنْ كَانَ سَالِمًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَالِمًا فَنَافِلَةٌ أَجْزَأَتْ عَنْهُ؛ لِأَنَّ إعْطَاءَهُ عَنْ الْغَائِبِ هَكَذَا وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ، وَلَوْ أَخْرَجَهَا لِيَقْسِمَهَا وَهِيَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَهَلَكَ مَالُهُ كَانَ لَهُ حَبْسُ الدَّرَاهِمِ، وَلَوْ ضَاعَتْ مِنْهُ الَّتِي أَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ رَجَعَ إلَى مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ وَإِلَّا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِذَا أَخَذَ الْوَالِي مِنْ رَجُلٍ زَكَاتَهُ بِلاَ نِيَّةٍ فِي دَفْعِهَا إلَيْهِ أَجْزَأَتْ عَنْهُ كَمَا يُجْزِئُ فِي الْقَسْمِ لَهَا أَنْ يَقْسِمَهَا عَنْهُ وَلِيُّهُ، أَوْ السُّلْطَانُ وَلاَ يَقْسِمُهَا بِنَفْسِهِ وَأُحِبُّ أَنْ يَتَوَلَّى الرَّجُلُ قَسْمَهَا عَنْ نَفْسِهِ لِيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَدَائِهَا عَنْهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ {فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ} وَإِذَا كَانَ هَذَا ثَابِتًا فَلاَ زَكَاةَ فِي غَيْرِ سَائِمَةٍ وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَيْسَ فِي الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ حَتَّى تَكُونَ سَائِمَةً وَالسَّائِمَةُ الرَّاعِيَةُ وَذَلِكَ أَنْ يَجْتَمِعَ فِيهَا أَمْرَانِ أَنْ لاَ يَكُونَ لَهَا مُؤْنَةٌ فِي الْعَلَفِ وَيَكُونَ لَهَا نَمَاءُ الرَّعْيِ فَأَمَّا إنْ عُلِفَتْ فَالْعَلَفُ مُؤْنَةٌ تَحْبَطُ بِفَضْلِهَا وَقَدْ كَانَتْ النَّوَاضِحُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ خُلَفَائِهِ فَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا رَوَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ مِنْهَا صَدَقَةً وَلاَ أَحَدًا مِنْ خُلَفَائِهِ. قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ الْعَوَامِلُ تَرْعَى مُدَّةً وَتُتْرَكُ أُخْرَى، أَوْ كَانَتْ غَنَمًا تُعْلَفُ فِي حِينٍ وَتُرْعَى فِي آخَرَ فَلاَ يَبِينُ لِي أَنَّ فِي شَيْءٍ مِنْهَا صَدَقَةً وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلاَ فَرَسِهِ صَدَقَةٌ}. قَالَ: وَلاَ صَدَقَةَ فِي خَيْلٍ وَلاَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ عَدَا الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ بِدَلاَلَةِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ. قَالَ الْمُزَنِيّ: قَالَ قَائِلُونَ: فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الْمُسْتَعْمَلَةِ وَغَيْرِ الْمُسْتَعْمَلَةِ وَمَعْلُوفَةٍ وَغَيْرِ مَعْلُوفَةٍ سَوَاءٌ فَالزَّكَاةُ فِيهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَرَضَ فِيهَا الزَّكَاةَ وَهُوَ قَوْلُ الْمَدَنِيِّينِ يُقَالُ لَهُمْ- وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ-، وَكَذَلِكَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الزَّكَاةَ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ كَمَا فَرَضَهَا فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فَزَعَمْتُمْ أَنَّ مَا اُسْتُعْمِلَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ وَهِيَ ذَهَبٌ وَوَرِقٌ كَمَا أَنَّ الْمَاشِيَةَ إبِلٌ وَبَقَرٌ فَإِذَا أَزَلْتُمْ الزَّكَاةَ عَمَّا اُسْتُعْمِلَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَأَزِيلُوهَا عَمَّا اُسْتُعْمِلَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا بَادَلَ إبِلاً بِإِبِلٍ، أَوْ غَنَمًا بِغَنَمٍ، أَوْ بَقَرًا بِبَقَرٍ، أَوْ صِنْفًا بِصِنْفٍ غَيْرِهَا فَلاَ زَكَاةَ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَى الثَّانِيَةِ مِنْ يَوْمِ يَمْلِكُهَا وَأَكْرَهُ الْفِرَارَ مِنْ الصَّدَقَةِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ بِالْمِلْكِ وَالْحَوْلِ لاَ بِالْفِرَارِ، وَلَوْ رَدَّ أَحَدُهُمَا بِعَيْبٍ قَبْلَ الْحَوْلِ اسْتَأْنَفَ بِهَا الْحَوْلَ، وَلَوْ أَقَامَتْ فِي يَدِهِ حَوْلاً ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهَا بِالْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهَا نَاقِصَةً عَمَّا أَخَذَهَا عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ بِمَا نَقَصَهَا الْعَيْبُ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ كَانَتْ الْمُبَادَلَةُ فَاسِدَةً زَكَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ، وَلَوْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا، ثُمَّ بَادَلَ بِهَا، أَوْ بَاعَهَا فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مُبْتَاعَهَا بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ بِنَقْصِ الصَّدَقَةِ، أَوْ يُجِيزَ الْبَيْعَ وَمَنْ قَالَ بِهَذَا قَالَ فَإِنْ أَعْطَى رَبُّ الْمَالِ الْبَائِعُ الْمُصَدِّقَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِيهَا مِنْ مَاشِيَةٍ غَيْرِهَا فَلاَ خِيَارَ لِلْمُبْتَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِنْ الْبَيْعِ شَيْءٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا يَمْلِكُ وَمَا لاَ يَمْلِكُ فَلاَ يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُجَدِّدَا بَيْعًا مُسْتَأْنَفًا. وَلَوْ أَصْدَقَهَا أَرْبَعِينَ شَاةً بِأَعْيَانِهَا فَقَبَضَتْهَا، أَوْ لَمْ تَقْبِضْهَا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَأَخَذَتْ صَدَقَتَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْغَنَمِ وَبِنِصْفِ قِيمَةِ الَّتِي وَجَبَتْ فِيهَا، وَكَانَتْ الصَّدَقَةُ مِنْ حِصَّتِهَا مِنْ النِّصْفِ، وَلَوْ أَدَّتْ عَنْهَا مِنْ غَيْرِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهَا شَيْءٌ هَذَا إذَا لَمْ تَزِدْ وَلَمْ تَنْقُصْ، وَكَانَتْ بِحَالِهَا يَوْمَ أَصْدَقَهَا أَوْ يَوْمَ قَبَضَتْهَا مِنْهُ، وَلَوْ لَمْ تُخْرِجْهَا بَعْدَ الْحَوْلِ حَتَّى أَخَذَتْ نِصْفَهَا فَاسْتَهْلَكَتْهُ أَخَذَ مِنْ النِّصْفِ الَّذِي فِي يَدَيْ زَوْجِهَا شَاةً وَرَجَعَ عَلَيْهَا بِقِيمَتِهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ رَهَنَهُ مَاشِيَةً وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ أُخِذَتْ مِنْهَا وَمَا بَقِيَ فَرَهْنٌ، وَلَوْ بَاعَهُ بَيْعًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ إيَّاهَا كَانَ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ كَمَنْ رَهَنَ شَيْئًا لَهُ وَشَيْئًا لَيْسَ لَهُ، وَلَوْ حَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ وَجَبَتْ فِيهَا الصَّدَقَةُ، فَإِنْ كَانَتْ إبِلاً فَرِيضَتُهَا الْغَنَمُ بِيعَ مِنْهَا فَاسْتُوْفِيَتْ صَدَقَتُهَا وَكَانَ مَا بَقِيَ رَهْنًا وَمَا نَتَجَ مِنْهَا خَارِجًا مِنْ الرَّهْنِ وَلاَ يُبَاعُ مِنْهَا مَاخِضٌ حَتَّى تَضَعَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الرَّاهِنُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ صَدَقَةٌ}. قَالَ فَبِهَذَا نَأْخُذُ وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم- بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي- وَالْخَلِيطَانِ فِي أَصْلِ النَّخْلِ يُصْدِقَانِ صَدَقَةَ الْوَاحِدِ فَإِنْ وَرِثُوا نَخْلاً فَاقْتَسَمُوهَا بَعْدَمَا حَلَّ بَيْعُ ثَمَرِهَا وَكَانَ فِي جَمَاعَتِهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَعَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ لِأَنَّ أَوَّلَ وُجُوبِهَا كَانَ وَهُمْ شُرَكَاءُ اقْتَسَمُوهَا قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ بَيْعُ ثَمَرِهَا فَلاَ زَكَاةَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ حَتَّى تَبْلُغَ حِصَّتُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ. قَالَ الْمُزَنِيّ: هَذَا عِنْدِي غَيْرُ جَائِزٍ فِي أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الْقَسْمَ عِنْدَهُ كَالْبَيْعِ، وَلاَ يَجُوزُ قَسْمُ التَّمْرِ جُزَافًا وَإِنْ كَانَ مَعَهُ نَخْلٌ كَمَا لاَ يَجُوزُ عِنْدَهُ عَرَضٌ بِعَرَضٍ مَعَ كُلِّ عَرَضٍ ذَهَبٌ تَبَعٌ لَهُ أَوْ غَيْرُ تَبَعٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَثَمَرُ النَّخْلِ يَخْتَلِفُ فَثَمَرُ النَّخْلِ يُوجَدُ بِتِهَامَةَ وَهِيَ بِنَجْدٍ بُسْرٌ وَبَلَحٌ فَيُضَمُّ بَعْضُ ذَلِكَ إلَى بَعْضٍ لِأَنَّهَا ثَمَرَةُ عَامٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهَا الشَّهْرُ وَالشَّهْرَانِ وَإِذَا أَثْمَرَتْ فِي عَامٍ قَابِلٍ لَمْ يُضَمَّ وَإِذَا كَانَ آخِرُ إطْلاَعِ ثَمَرٍ أَطْلَعَتْ قَبْلَ أَنْ يَجِدَّ فَالْأَطْلاَعُ الَّتِي بَعْدَ بُلُوغِ الْآخِرَةِ كَأَطْلاَعِ تِلْكَ النَّخْلِ عَامًا آخَرَ لاَ تُضَمُّ إلَّا طِلاَعَةً إلَى الْعَامِ قَبْلَهَا. قَالَ: وَيُتْرَكُ لِصَاحِبِ الْحَائِطِ جَيِّدُ التَّمْرِ مِنْ الْبَرْدِيِّ وَالْكَبِيسِ وَلاَ يُؤْخَذُ الجعرور وَلاَ مُصْرَانُ الْفَأْرَةِ وَلاَ عِذْقُ ابْنُ حُبَيْقٍ وَيُؤْخَذُ وَسَطٌ مِنْ التَّمْرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَمْرُهُ بَرْدِيًّا كُلُّهُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ، أَوْ جعرورا كُلُّهُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ. قَالَ: وَإِنْ كَانَ لَهُ نَخْلٌ مُخْتَلِفَةٌ وَاحِدٌ يَحْمِلُ فِي وَقْتٍ وَالْآخَرُ حِمْلَيْنِ، أَوْ سَنَةٌ حَمِيلَيْنِ فَهُمَا مُخْتَلِفَانِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ التَّمَّارِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ- فِي زَكَاةِ الْكَرْمِ-: يُخْرَصُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ، ثُمَّ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤَدَّى زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا} وَبِإِسْنَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبْعَثُ مَنْ يَخْرُصُ عَلَى النَّاسِ كُرُومَهُمْ وَثِمَارَهُمْ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ {رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِيَهُودِ خَيْبَرَ حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ أُقِرُّكُمْ عَلَى مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ عَلَى أَنَّ التَّمْرَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ قَالَ فَكَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَيَخْرُصُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَقُولُ إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي فَكَانُوا يَأْخُذُونَهُ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَوَقْتُ الْخَرْصِ إذَا حَلَّ الْبَيْعُ وَذَلِكَ حِينَ يَرَى فِي الْحَائِطِ الْحُمْرَةَ أَوْ الصُّفْرَةَ، وَكَذَلِكَ حِينَ يَتَمَوَّهُ الْعِنَبُ وَيُوجَدُ فِيهِ مَا يُؤْكَلُ مِنْهُ. قَالَ وَيَأْتِي الْخَارِصُ النَّخْلَةَ فَيَطِيفُ بِهَا حَتَّى يَرَى كُلَّ مَا فِيهَا، ثُمَّ يَقُولُ خَرْصُهَا رُطَبًا كَذَا وَكَذَا وَيَنْقُصُ إذَا صَارَا تَمْرًا كَذَا وَكَذَا فَيَبْنِيهَا عَلَى كَيْلِهَا تَمْرًا وَيَصْنَعُ ذَلِكَ بِجَمِيعِ الْحَائِطِ وَهَكَذَا الْعِنَبُ، ثُمَّ يُخَلِّي بَيْنَ أَهْلِهِ وَبَيْنَهُ فَإِذَا صَارَ تَمْرًا، أَوْ زَبِيبًا أَخَذَ الْعُشْرَ عَلَى خَرْصِهِ، فَإِنْ ذَكَر أَهْلُهُ أَنَّهُ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ أَذْهَبَتْهُ، أَوْ شَيْئًا مِنْهُ صَدَقُوا فَإِنْ اُتُّهِمُوا حَلَفُوا. وَإِنْ قَالَ قَدْ أَحْصَيْت مَكِيلَةَ مَا أَخَذْت وَهُوَ كَذَا وَمَا بَقِيَ كَذَا فَهَذَا خَطَأٌ فِي الْخَرْصِ صُدِّقَ؛ لِأَنَّهَا زَكَاةٌ هُوَ فِيهَا أَمِينٌ، وَإِنْ قَالَ: سُرِقَ بَعْدَمَا صَيَّرْته إلَى الْجَرِينِ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَمَا يَبِسَ وَأَمْكَنَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الْوَالِي، أَوْ إلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ فَقَدْ ضَمِنَ مَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ فَفَرَّطَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ بَعْدَ هَذَا وَلَوْ اسْتَهْلَكَ رَجُلٌ ثَمَرَةً وَقَدْ خَرَصَ عَلَيْهِ أُخِذَ بِثَمَنِ عُشْرِ وَسَطِهَا وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ رُطَبًا، أَوْ بُسْرًا بَعْدَ الْخَرْصِ ضَمِنَ مَكِيلَةَ خَرْصِهِ وَإِنْ أَصَابَ حَائِطَهُ عَطَشٌ يَعْلَمُ أَنَّهُ إنْ تَرَكَ ثَمَرَهُ أَضَرَّ بِالنَّخْلِ وَإِنْ قَطَعَهَا بَعْدَ أَنْ يَخْرُصَ بَطَلَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ ثَمَنِهَا كَانَ لَهُ قَطْعُهَا وَيُؤْخَذُ ثَمَنُ عُشْرِهَا، أَوْ عُشْرُهَا مَقْطُوعَةً وَمَنْ قَطَعَ مِنْ ثَمَرِ نَخْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ بَيْعُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ عُشْرٌ وَأَكْرَهُ ذَلِكَ لَهُ إلَّا أَنْ يَأْكُلَهُ أَوْ يُطْعِمَهُ، أَوْ يُخَفِّفَهُ عَنْ نَخْلِهِ وَإِنْ أَكَلَ رُطَبًا ضَمِنَ عُشْرَهُ تَمْرًا مِثْلَ وَسَطِهِ. وَإِنْ كَانَ لاَ يَكُونُ تَمْرًا أَعْلَمَ الْوَالِي لِيَأْمُرَ مَنْ يَبِيعُ مَعَهُ عَشْرَةً رُطَبًا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ خَرَصَهُ لِيَصِيرَ عَلَيْهِ عَشَرَةٌ، ثُمَّ صَدَّقَ رَبَّهُ فِيمَا بَلَغَ رُطَبُهُ وَأَخَذَ عُشْرَ ثَمَنِهِ، فَإِنْ أَكَلَ أَخَذَ مِنْهُ قِيمَةَ عُشْرِهِ رُطَبًا وَمَا قُلْت فِي النَّخْلِ وَكَانَ فِي الْعِنَبِ فَهُوَ مِثْلُهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ بَعَثَ مَعَ ابْنِ رَوَاحَةَ غَيْرَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي كُلٍّ أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ خَارِصَانِ، أَوْ أَكْثَرَ وَقَدْ قِيلَ: يَجُوزُ خَارِصٌ وَاحِدٌ كَمَا يَجُوزُ حَاكِمٌ وَاحِدٌ. وَلاَ تُؤْخَذُ صَدَقَةُ شَيْءٍ مِنْ الشَّجَرِ غَيْرَ الْعِنَبِ وَالنَّخْلِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْهُمَا وَكِلاَهُمَا قُوتٌ وَلاَ شَيْءَ فِي الزَّيْتُونِ؛ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ أُدْمًا وَلاَ فِي الْجَوْزِ وَلاَ فِي اللَّوْزِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَكُونُ أُدْمًا وَيَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ؛ لِأَنَّهُ فَاكِهَةٌ لاَ أَنَّهُ كَانَ بِالْحِجَازِ قُوتًا عَلِمْنَاهُ؛ وَلِأَنَّ الْخَبَرَ فِي النَّخْلِ وَالْعِنَبِ خَاصٌّ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى- فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى- {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ الزَّكَاةَ عَلَى الزَّرْعِ. قَالَ فَمَا جَمَعَ أَنْ يَزْرَعَهُ الْآدَمِيُّونَ وَيَيْبَسَ وَيُدَّخَرَ وَيُقْتَاتَ مَأْكُولاً خُبْزًا وَسَوِيقًا، أَوْ طَبِيخًا فَفِيهِ الصَّدَقَةُ وَرُوِيَ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ} وَهَذَا مِمَّا يُزْرَعُ وَيُقْتَاتُ فَيُؤْخَذُ مِنْ الْعَلَسِ وَهُوَ الْحِنْطَةُ وَالسُّلْتُ وَالْقُطْنِيَّةُ كُلُّهَا إذَا بَلَغَ الصِّنْفُ الْوَاحِدُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَالْعَلَسُ وَالْقَمْحُ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَلاَ يُضَمُّ صِنْفٌ مِنْ الْقُطْنَةِ انْفَرَدَ بِاسْمٍ إلَى صِنْفٍ وَلاَ شَعِيرٌ إلَى حِنْطَةٍ، وَلاَ حَبَّةٌ عُرِفَتْ بِاسْمٍ مُنْفَرِدٍ إلَى غَيْرِهَا فَاسْمُ الْقُطْنِيَّةِ يَجْمَعُ الْعَدَسَ وَالْحِمَّصَ قِيلَ: ثُمَّ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ بِاسْمٍ دُونَ صَاحِبِهِ وَقَدْ يَجْمَعُهَا اسْمُ الْحُبُوبِ، فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ أَخَذَ عُمَرُ الْعُشْرَ مِنْ النَّبَطِ فِي الْقُطْنِيَّةِ قِيلَ: {وَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْعُشْرَ مِنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ} وَأَخَذَ عُمَرُ الْعُشْرَ مِنْ الْقُطْنِيَّةِ وَالزَّبِيبِ أَفَيُضَمُّ ذَلِكَ كُلُّهُ؟ قَالَ: وَلاَ يَبِينُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْفَثِّ وَإِنْ كَانَ قُوتًا وَلاَ مِنْ حَبِّ الْحَنْظَلِ وَلاَ مِنْ حَبِّ شَجَرَةٍ بَرِّيَّةٍ كَمَا لاَ يُؤْخَذُ مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ وَلاَ مِنْ الظِّبَاءِ صَدَقَةٌ وَلاَ مِنْ الثُّفَّاءِ وَلاَ الْإِسْفِيوشِ وَلاَ مِنْ حُبُوبِ الْبُقُولِ، وَكَذَلِكَ الْقِثَّاءُ وَالْبِطِّيخُ وَحَبُّهُ، وَلاَ مِنْ الْعُصْفُرِ وَلاَ مِنْ حَبِّ الْفُجْلِ وَلاَ مِنْ السِّمْسِمِ وَلاَ مِنْ التُّرْمُسِ لِأَنِّي لاَ أَعْلَمُهُ يُؤْكَلُ إلَّا دَوَاءً، أَوْ تَفَكُّهًا، وَلاَ مِنْ الأبذار. وَلاَ يُؤْخَذُ زَكَاةُ شَيْءٍ مِمَّا يَيْبَسُ حَتَّى يَيْبَسَ وَيُدَاسَ وَيَيْبَسَ زَبِيبُهُ وَتَمْرُهُ وَيَنْتَهِي وَإِنْ أَخَذَهُ رَطْبًا كَانَ عَلَيْهِ رَدُّهُ، أَوْ رَدُّ قِيمَتِهِ إنْ لَمْ يُوجَدْ وَأَخَذَهُ يَابِسًا وَلاَ أُجِيزُ بَيْعَ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ رَطْبًا لِاخْتِلاَفِ نُقْصَانِهِ، وَالْعُشْرُ مُقَاسَمَةً كَالْبَيْعِ وَلَوْ أَخَذَهُ مِنْ عِنَبٍ لاَ يَصِيرُ زَبِيبًا، أَوْ مِنْ رُطَبٍ لاَ يَصِيرُ تَمْرًا أَمَرْته بِرَدِّهِ لِمَا وَصَفْت وَكَانَ شَرِيكًا فِيهِ يَبِيعُهُ وَلَوْ قَسَمَهُ عِنَبًا مُوَازَنَةً كَرِهْته لَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غُرْمٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: الذُّرَةُ تُزْرَعُ مَرَّةً فَتَخْرُجُ فَتُحْصَدُ، ثُمَّ تَسْتَخْلِفُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَتُحْصَدُ أُخْرَى فَهُوَ زَرْعٌ وَاحِدٌ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ حَصْدَتُهُ الْأُخْرَى وَهَكَذَا بَذْرُ الْيَوْمِ وَبَذْرُ بَعْدِ شَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ وَاحِدٌ لِلزَّرْعِ وَتَلاَحُقُهُ فِيهِ مُتَقَارِبٌ. قَالَ: وَإِذَا زُرِعَ فِي السَّنَةِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي خَرِيفٍ وَرَبِيعٍ وَصَيْفٍ فَفِيهِ أَقَاوِيلُ مِنْهَا أَنَّهُ زَرْعٌ وَاحِدٌ إذَا زُرِعَ فِي سَنَةٍ وَإِنْ أُدْرِكَ بَعْضُهُ فِي غَيْرِهَا وَمِنْهَا أَنْ يُضَمَّ مَا أُدْرِكَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَا أُدْرِكَ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى ضُمَّ إلَى مَا أُدْرِكَ فِي الْأُخْرَى وَمِنْهَا أَنَّهُ مُخْتَلِفٌ لاَ يُضَمُّ وَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ:- فِي مَوْضِعٍ آخَرَ-: وَإِذَا كَانَ الزَّرْعَانِ وَحَصَادُهُمَا مَعًا فِي سَنَةٍ فَهُمَا كَالزَّرْعِ الْوَاحِدِ، وَإِنْ كَانَ بَذْرُ أَحَدِهِمَا قَبْلَ السَّنَةِ وَحَصَادُ الْآخَرِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ السَّنَةِ فَهُمَا زَرْعَانِ لاَ يُضَمَّانِ وَلاَ يُضَمُّ زَرْعُ سَنَةٍ إلَى زَرْعِ سَنَةٍ غَيْرِهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ قَوْلاً مَعْنَاهُ: {مَا سُقِيَ بِنَضْحٍ، أَوْ غَرْبٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَمَا سُقِيَ بِغَيْرِهِ مِنْ عَيْنٍ، أَوْ سَمَاءٍ فَفِيهِ الْعُشْرُ} وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَعْنَى ذَلِكَ، وَلاَ أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفًا وَبِهَذَا أَقُولُ وَمَا سُقِيَ مِنْ هَذَا بِنَهْرٍ، أَوْ سَيْلٍ، أَوْ مَا يَكُونُ فِيهِ الْعُشْرُ فَلَمْ يَكْتَفِ بِهِ حَتَّى يُسْقَى بِالْغَرْبِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى مَا عَاشَ فِي السِّقْيَيْنِ، فَإِنْ عَاشَ بِهِمَا نِصْفَيْنِ فَفِيهِ ثَلاَثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ، وَإِنْ عَاشَ بِالسَّيْلِ أَكْثَرَ زِيدَ فِيهِ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَقَدْ قِيلَ: يُنْظَرُ أَيُّهُمَا عَاشَ بِهِ أَكْثَرَ فَيَكُونُ صَدَقَتُهُ بِهِ وَالْقِيَاسُ مَا وَصَفْت وَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الزَّرْعِ مَعَ يَمِينِهِ وَأَخْذُ الْعُشْرِ أَنْ يُكَالَ لِرَبِّ الْمَالِ تِسْعَةً وَيَأْخُذَ الْمُصَدِّقُ الْعَاشِرَ وَهَكَذَا نِصْفُ الْعُشْرِ مَعَ خَرَاجِ الْأَرْضِ وَمَا زَادَ مِمَّا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَبِحِسَابِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ}. قَالَ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ فَإِذَا بَلَغَ الْوَرِقُ خَمْسَ أَوَاقٍ وَذَلِكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ بِدَرَاهِمِ الْإِسْلاَمِ وَكُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْ دَرَاهِمِ الْإِسْلاَمِ وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ ذَهَبٍ بِمِثْقَالِ الْإِسْلاَمِ فَفِي الْوَرِقِ صَدَقَةٌ. وَلَوْ كَانَتْ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ تَنْقُصُ حَبَّةً، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ تَجُوزُ جَوَازَ الْوَازِنَةِ أَوْ لَهَا فَضْلٌ عَلَى الْوَازِنَةِ غَيْرُهَا فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَوْسُقٍ بَرْدِيٌّ خَيْرٌ قِيمَةً مِنْ مِائَةِ وَسْقٍ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا زَكَاةٌ. وَلَوْ كَانَتْ لَهُ وَرِقٌ رَدِيئَةٌ وَوَرِقٌ جَيِّدَةٌ أُخِذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا بِقَدْرِهَا وَأَكْرَهُ لَهُ الْوَرِقَ الْمَغْشُوشَ لِئَلَّا يَغُرَّ بِهِ أَحَدًا، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ فِضَّةٌ خَلَطَهَا بِذَهَبٍ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُدْخِلَهَا النَّارَ حَتَّى يُمَيِّزَ بَيْنَهُمَا فَيُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. وَلَوْ كَانَتْ لَهُ فِضَّةٌ مَلْطُوخَةٌ عَلَى لِجَامٍ، أَوْ مُمَوَّهٌ بِهَا سَقْفُ بَيْتٍ وَكَانَتْ تُمَيَّزُ فَتَكُونُ شَيْئًا إنْ جُمِعَتْ بِالنَّارِ فَعَلَيْهِ إخْرَاجُ الصَّدَقَةِ عَنْهَا وَإِلَّا فَهِيَ مُسْتَهْلَكَةٌ. وَإِذَا كَانَ فِي يَدَيْهِ أَقَلُّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ وَمَا يُتِمُّ خَمْسَ أَوَاقٍ دَيْنًا لَهُ، أَوْ غَائِبًا عَنْهُ أَحْصَى الْحَاضِرَةَ وَانْتَظَرَ الْغَائِبَةَ، فَإِنْ اقْتَضَاهَا أَدَّى رُبْعَ عُشْرِهَا وَمَا زَادَ، وَلَوْ قِيرَاطًا فَبِحِسَابِهِ وَإِنْ ارْتَدَّ، ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ فَفِيهَا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ فِيهِ الزَّكَاةَ وَالثَّانِي يُوقَفُ، فَإِنْ أَسْلَمَ فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَلاَ يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ بِالرِّدَّةِ وَإِنْ قُتِلَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ زَكَاةٌ وَبِهَذَا أَقُولُ. قَالَ الْمُزَنِيّ: أَوْلَى بِقَوْلِهِ عِنْدِي الْقَوْلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَعْنَاهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ: وَحَرَامٌ أَنْ يُؤَدِّيَ الرَّجُلُ الزَّكَاةَ مِنْ شَرِّ مَالِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ: {وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} يَعْنِي- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- لاَ تُعْطُوا فِي الزَّكَاةِ مَا خَبُثَ أَنْ تَأْخُذُوهُ لِأَنْفُسِكُمْ وَتَتْرُكُوا الطَّيِّبَ عِنْدَكُمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلاَ أَعْلَمُ اخْتِلاَفًا فِي أَنْ لَيْسَ فِي الذَّهَبِ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ مِثْقَالاً جَيِّدًا كَانَ، أَوْ رَدِيئًا، أَوْ إنَاءً، أَوْ تِبْرًا، فَإِنْ نَقَصَتْ حَبَّةٌ أَوْ أَقَلُّ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهَا صَدَقَةٌ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ مَعَهَا خَمْسُ أَوَاقٍ فِضَّةً إلَّا قِيرَاطًا، أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَكَاةٌ، وَإِذَا لَمْ يُجْمَعْ التَّمْرُ إلَى الزَّبِيبِ وَهُمَا يُخْرَصَانِ وَيُعْشَرَانِ وَهُمَا حُلْوَانِ مَعًا وَأَشَدُّ تَقَارُبًا فِي الثَّمَنِ وَالْخِلْقَةِ وَالْوَزْنِ مِنْ الذَّهَبِ إلَى الْوَرِقِ فَكَيْفَ يَجْمَعُ جَامِعٌ بَيْنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلاَ يَجْمَعُ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ؟ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفَ سُنَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ قَالَ {لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ} فَأَخَذَهَا فِي أَقَلَّ، فَإِنْ قَالَ ضَمَمْت إلَيْهَا غَيْرَهَا قِيلَ: تُضَمُّ إلَيْهَا بَقَرًا، فَإِنْ قَالَ: لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِهَا قِيلَ: وَكَذَلِكَ فَالذَّهَبُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْوَرِقِ. قَالَ: وَلاَ يَجِبُ عَلَى رَجُلٍ زَكَاةٌ فِي ذَهَبٍ حَتَّى يَكُونَ عِشْرِينَ مِثْقَالاً فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ وَآخِرِهِ، فَإِنْ نَقَصَتْ شَيْئًا ثُمَّ تَمَّتْ عِشْرِينَ مِثْقَالاً فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى تَسْتَقْبِلَ بِهَا حَوْلاً مِنْ يَوْمِ تَمَّتْ عِشْرِينَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُحَلِّي بَنَاتِ أَخِيهَا أَيْتَامًا فِي حِجْرِهَا فَلاَ تُخْرِجُ مِنْهُ زَكَاةً وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُحَلِّي بَنَاتِهِ وَجَوَارِيهِ ذَهَبًا، ثُمَّ لاَ يُخْرِجُ زَكَاتَهُ. قَالَ: وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ فِي الْحُلِيِّ الزَّكَاةَ، وَهَذَا مِمَّا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهِ فَمَنْ قَالَ: فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّى خَاتَمَهُ وَحِلْيَةَ سَيْفِهِ وَمِنْطَقَتَهُ وَمُصْحَفَهُ وَمَنْ قَالَ: لاَ زَكَاةَ فِيهِ قَالَ: لاَ زَكَاةَ فِي خَاتَمِهِ وَلاَ حِلْيَةِ سَيْفِهِ وَلاَ مِنْطَقَتِهِ إذَا كَانَتْ مِنْ وَرِقٍ، فَإِنْ اتَّخَذَهُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ حُلِيَّ امْرَأَةٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُحَلَّى ذَهَبًا، أَوْ وَرِقًا وَلاَ أَجْعَلُ حُلِيَّهَا زَكَاةً فَإِنْ اتَّخَذَ رَجُلٌ، أَوْ امْرَأَةٌ إنَاءً مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ وَرِقٍ زَكَّيَاهُ فِي الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا اتِّخَاذُهُ، فَإِنْ كَانَ وَزْنُهُ أَلْفًا وَقِيمَتُهُ مَصُوغًا أَلْفَيْنِ فَإِنَّمَا زَكَاتُهُ عَلَى وَزْنِهِ لاَ عَلَى قِيمَتِهِ وَإِنْ انْكَسَرَ حُلِيُّهَا فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ. وَلَوْ وَرِثَ رَجُلٌ حُلِيًّا، أَوْ اشْتَرَاهُ فَأَعْطَاهُ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِهِ، أَوْ خَدَمِهِ هِبَةً، أَوْ عَارِيَّةً، أَوْ أَرْصَدَهُ لِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ لاَ زَكَاةَ فِيهِ إذَا أَرْصَدَهُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ، فَإِنْ أَرْصَدَهُ لِمَا لاَ يَصْلُحُ لَهُ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا. قَالَ الْمُزَنِيّ: وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي غَيْرِ كِتَابِ الزَّكَاةِ لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ وَهَذَا أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّ أَصْلُهُ أَنَّ فِي الْمَاشِيَةِ زَكَاةً وَلَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعْمَلِ مِنْهَا زَكَاةٌ فَكَذَلِكَ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ وَلَيْسَ فِي الْمُسْتَعْمَلِ مِنْهُمَا زَكَاةٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَمَا كَانَ مِنْ لُؤْلُؤٍ، أَوْ زَبَرْجَدٍ أَوْ يَاقُوتٍ وَمِرْجَانٍ وَحِلْيَةِ بَحْرٍ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ وَلاَ فِي مِسْكٍ وَلاَ عَنْبَرٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْعَنْبَرِ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِمَّا خَالَفَ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ وَالْمَاشِيَةَ وَالْحَرْثَ عَلَى مَا وَصَفْت.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ أَنَّ أَبَاهُ حِمَاسًا قَالَ مَرَرْت عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلَى عُنُقِي آدِمَةٌ أَحْمِلُهَا فَقَالَ أَلاَ تُؤَدِّي زَكَاتَك يَا حِمَاسُ؟ فَقُلْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا لِي غَيْرُ هَذِهِ وَأَهَبُ فِي الْقَرْظِ فَقَالَ ذَاكَ مَالٌ فَضَعْ فَوَضَعْتهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَسِبَهَا فَوَجَدَهَا قَدْ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ فَأَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا اتَّجَرَ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَارَتْ ثَلَثَمِائَةٍ قَبْلَ الْحَوْلِ، ثُمَّ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ زَكَّى الْمِائَتَيْنِ لِحَوْلِهَا وَالْمِائَةَ الَّتِي زَادَتْ لِحَوْلِهَا وَلاَ يُضَمُّ مَا رَبِحَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا وَإِنَّمَا صَرَفَهَا فِي غَيْرِهَا، ثُمَّ بَاعَ مَا صَرَفَهَا فِيهِ وَلاَ يُشْبِهُ أَنْ يَمْلِكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ يَشْتَرِي بِهَا عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ فَيَحُولَ الْحَوْلُ وَالْعَرْضُ فِي يَدَيْهِ فَيَقُولُ الْعَرْضُ بِزِيَادَتِهِ أَوْ بِنَقْصِهِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ حِينَئِذٍ تَحَوَّلَتْ فِي الْعَرَضِ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ وَصَارَ الْعَرَضُ كَالدَّرَاهِمِ يُحْسَبُ عَلَيْهَا لِحَوْلِهَا فَإِذَا نَضَّ ثَمَنُ الْعَرَضِ بَعْدَ الْحَوْلِ أُخِذَتْ الزَّكَاةُ مِنْ ثَمَنِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ. قَالَ: وَلَوْ اشْتَرَى عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ بِعَرَضٍ فَحَال الْحَوْلُ عَلَى عَرَضٍ التِّجَارَةِ قُوِّمَ بِالْأَغْلَبِ مِنْ نَقْدِ بَلَدِهِ دَنَانِيرَ، أَوْ دَرَاهِمَ وَإِنَّمَا قَوَّمْته بِالْأَغْلَبِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ بِعَرْضٍ. قَالَ: وَيُخْرِجُ زَكَاتَهُ مِنْ الَّذِي قُوِّمَ بِهِ وَلَوْ كَانَ فِي يَدَيْهِ عَرَضٌ لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ فِي قِيمَتِهِ الزَّكَاةُ وَأَقَامَ فِي يَدَيْهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ بِدَنَانِيرَ فَأَقَامَ فِي يَدَيْهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَقَدْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْمَالَيْنِ مَعًا وَقَامَ أَحَدُهُمَا مَكَانَ صَاحِبِهِ فَيُقَوِّمُ الْعَرَضُ الَّذِي فِي يَدَيْهِ وَيُخْرِجُ زَكَاتَهُ. وَلَوْ اشْتَرَى عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ بِدَنَانِيرَ، أَوْ بِدَرَاهِمَ، أَوْ بِشَيْءٍ تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ مِنْ الْمَاشِيَةِ وَكَانَ إفَادَةُ مَا اشْتَرَى بِهِ ذَلِكَ الْعَرَضَ مِنْ يَوْمِهِ لَمْ يُقَوَّمْ الْعَرْضُ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أَفَادَ ثَمَنَ الْعَرْضِ، ثُمَّ يُزَكِّيهِ بَعْدَ الْحَوْلِ، وَلَوْ أَقَامَ هَذَا الْعَرْضَ فِي يَدَيْهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ بَاعَهُ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَأَقَامَتْ فِي يَدَيْهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ زَكَّاهَا. قَالَ الْمُزَنِيّ: إذَا كَانَتْ فَائِدَتُهُ نَقْدًا فَحَوْلُ الْعَرَضِ مِنْ حِينِ أَفَادَ النَّقْدَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قِيمَةِ الْعَرَضِ لِلتِّجَارَةِ وَالنَّقْدِ فِي الزَّكَاةِ رُبْعُ عُشْرٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ زَكَاةُ الْمَاشِيَةِ أَلاَ تَرَى أَنَّ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ بِالْحَوْلِ شَاةً أَفَيُضَمُّ مَا فِي حَوْلِهِ زَكَاةُ شَاةٍ إلَى مَا فِي حَوْلِهِ زَكَاةُ رُبْعِ عُشْرٍ وَمِنْ قَوْلِهِ لَوْ أَبْدَلَ إبِلاً بِبَقَرٍ، أَوْ بَقَرًا بِغَنَمٍ لَمْ يَضُمَّهَا فِي حَوْلٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهَا فِي الزَّكَاةِ مُخْتَلِفٌ، وَكَذَلِكَ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَضُمَّ فَائِدَةَ مَاشِيَةٍ زَكَاتُهَا شَاةٌ، أَوْ تَبِيعٌ، أَوْ بِنْتُ لَبُونٍ أَوْ بِنْتُ مَخَاضٍ إلَى حَوْلِ عَرَضٍ زَكَاتُهُ رُبْعُ عُشْرٍ فَحَوْلُ هَذَا الْعَرَضِ مِنْ حِينِ اشْتَرَاهُ لاَ مِنْ حِينِ أَفَادَ الْمَاشِيَةَ الَّتِي بِهَا اشْتَرَاهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى الْعَرَضَ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ لَمْ يُقَوَّمْ إلَّا بِدَرَاهِمَ، وَإِنْ كَانَ الدَّنَانِيرُ الْأَغْلَبَ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ وَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ بِدَنَانِيرَ قَوَّمَ الدَّنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ وَزُكِّيَتْ الدَّنَانِيرُ بِقِيمَةِ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ مَا اشْتَرَى بِهِ الْعَرَضَ الدَّرَاهِمُ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى بِالدَّنَانِيرِ لَمْ يُقَوَّمْ الْعَرَضُ إلَّا بِالدَّنَانِيرِ وَلَوْ بَاعَهُ بِدَرَاهِمَ وَعَرَضٍ قُوِّمَ بِالدَّنَانِيرِ. وَلَوْ أَقَامَتْ عِنْدَهُ مِائَةُ دِينَارٍ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ، أَوْ مِائَةَ دِينَارٍ فَلاَ زَكَاةَ فِي الدَّنَانِيرِ الْأَخِيرَةِ وَلاَ فِي الدَّرَاهِمِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ مَلَكَهَا؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ فِيهَا بِأَنْفُسِهَا وَلَوْ اشْتَرَى عَرَضًا لِغَيْرِ تِجَارَةٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ مَلَكَ بِغَيْرِ شِرَاءٍ، فَإِنْ نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ. وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ نَوَاهُ لِقِنْيَةٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ وَأُحِبُّ لَوْ فَعَلَ وَلاَ يُشْبِهُ هَذَا السَّائِمَةَ إذَا نَوَى عَلَفَهَا فَلاَ يَنْصَرِفُ عَنْ السَّائِمَةِ حَتَّى يَعْلِفَهَا، وَلَوْ كَانَ يَمْلِكُ أَقَلَّ مِمَّا تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ زَكَّى ثَمَنَ الْعَرَضِ مِنْ يَوْمِ مِلْكِ الْعَرَضِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَحَوَّلَتْ فِيهِ بِعَيْنِهَا أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَكَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ يَحُولُ الْحَوْلُ أَقَلَّ سَقَطَتْ عَنْهُ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهَا تَحَوَّلَتْ فِيهِ وَفِي ثَمَنِهِ إذَا بِيعَ لاَ فِيمَا اشْتَرَى بِهِ. قَالَ وَلاَ تَمْنَعُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ فِي الرَّقِيقِ زَكَاةَ الْفِطْرِ إذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ أَلاَ تَرَى أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى عَدَدِ الْأَحْرَارِ الَّذِينَ لَيْسُوا بِمَالٍ إنَّمَا هِيَ طَهُورٌ لِمَنْ لَزِمَهُ اسْمُ الْإِيمَانِ. وَإِذَا اشْتَرَى نَخْلاً، أَوْ زَرْعًا لِلتِّجَارَةِ، أَوْ وَرِثَهَا زَكَّاهَا زَكَاةَ النَّخْلِ وَالزَّرْعِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ النَّخْلِ غِرَاسٌ لاَ زَكَاةَ فِيهَا زَكَّاهَا زَكَاةَ التِّجَارَةِ وَالْخُلَطَاءُ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ كَالْخُلَطَاءِ فِي الْمَاشِيَةِ وَالْحَرْثِ عَلَى مَا وَصَفْت سَوَاءٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ أَلْفَ دِرْهَمٍ قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا وَهِيَ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تُزَكَّى كُلُّهَا؛ لِأَنَّهَا مِلْكٌ لِرَبِّ الْمَالِ أَبَدًا حَتَّى يُسَلِّمَ إلَيْهِ رَأْسَ مَالِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَامِلُ نَصْرَانِيًّا فَإِذَا سَلَّمَ لَهُ رَأْسَ مَالِهِ اقْتَسَمَا الرِّبْحَ وَهَذَا أَشْبَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الزَّكَاةَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي الْأَلْفِ وَالْخَمْسِمِائَةِ وَوُقِفَتْ زَكَاةُ خَمْسِمِائَةٍ، فَإِنْ حَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ صَارَتْ لِلْعَامِلِ زَكَّاهَا إنْ كَانَ مُسْلِمًا فَإِذَا لَمْ يَبْلُغْ رِبْحُهُ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ زَكَّاهَا؛ لِأَنَّهُ خَلِيطٌ بِهَا، وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ نَصْرَانِيًّا وَالْعَامِلُ مُسْلِمًا فَلاَ رِبْحَ لِمُسْلِمٍ حَتَّى يُسَلِّمَ إلَى النَّصْرَانِيِّ رَأْسَ مَالِهِ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ بِرِبْحِهِ حَوْلاً، وَالْقَوْلُ الثَّانِي يُحْصَى ذَلِكَ كُلُّهُ، فَإِنْ سَلَّمَ لَهُ رِبْحَهُ أَدَّى زَكَاتَهُ كَمَا يُؤَدِّي مَا مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ السِّنِينَ مُنْذُ كَانَ لَهُ فِي الْمَالِ فَضْلٌ. قَالَ الْمُزَنِيّ: أَوْلَى بِقَوْلِهِ عِنْدِي أَنْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْعَامِلِ زَكَاةٌ حَتَّى يُحَصِّلَ رَأْسَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا مَعْنَاهُ فِي الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَوْ كَانَ لَهُ شَرِكَةٌ فِي الْمَالِ، ثُمَّ نَقَصَ قَدْرُ الرِّبْحِ كَانَ لَهُ فِي الْبَاقِي شِرْكٌ فَلاَ رِبْحَ لَهُ إلَّا بَعْدَ أَدَاءِ رَأْسِ الْمَالِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا كَانَتْ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ السُّلْطَانُ قَبْلَ الْحَوْلِ وَلَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ أَخْرَجَ زَكَاتَهَا، ثُمَّ قَضَى غُرَمَاءَهُ بَقِيَّتَهَا، وَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ وَجَعَلَ لَهُمْ مَالَهُ حَيْثُ وَجَدُوهُ قَبْلَ الْحَوْلِ، ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْغُرَمَاءُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ لِأَنَّهُ صَارَ لَهُمْ دُونَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ وَهَكَذَا فِي الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَالْمَاشِيَةِ الَّتِي صَدَقَتُهَا مِنْهَا كَالْمُرْتَهِنِ لِلشَّيْءِ فَيَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ مَالُهُ فِيهِ وَلِلْغُرَمَاءِ فَضْلُهُ. قَالَ وَكُلُّ مَالٍ رُهِنَ فَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ أَخْرَجَ مِنْهُ الزَّكَاةَ قَبْل الدَّيْنِ وَقَالَ الْمُزَنِيّ: وَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلاَفِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى إذَا كَانَتْ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ وَالْأَوَّلُ مِنْ قَوْلَيْهِ مَشْهُورٌ. قَالَ وَإِنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ فَعَلَيْهِ تَعْجِيلُ زَكَاتِهِ كَالْوَدِيعَةِ، وَلَوْ جَحَدَ مَالَهُ، أَوْ غَصَبَهُ، أَوْ غَرِقَ فَأَقَامَ زَمَانًا، ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ فَلاَ يَجُوزُ فِيهِ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ أَنْ لاَ يَكُونَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ قَبَضَهُ؛ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ عَلَيْهِ، أَوْ يَكُونَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ، فَإِنْ قَبَضَ مِنْ ذَلِكَ مَا فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ لِمَا مَضَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِثْلِهِ زَكَاةٌ فَكَانَ لَهُ مَالٌ ضَمَّهُ إلَيْهِ وَإِلَّا حَسَبَهُ فَإِذَا قَبَضَ مَا إذَا جَمَعَ إلَيْهِ ثَبَتَ فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّى لِمَا مَضَى. قَالَ وَإِذَا عَرَّفَ لُقَطَةً سَنَةً، ثُمَّ حَالَ عَلَيْهَا أَحْوَالٌ وَلَمْ يُزَكِّهَا، ثُمَّ جَاءَهُ صَاحِبُهَا فَلاَ زَكَاةَ عَلَى الَّذِي وَجَدَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالِكًا قَطُّ حَتَّى جَاءَ صَاحِبُهَا وَالْقَوْلُ فِيهَا كَمَا وَصَفْت فِي أَنَّ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ لِمَا مَضَى؛ لِأَنَّهَا مَالُهُ، أَوْ فِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْهُ فِي مُقَامِهَا فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ بَعْدَ السَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ أَكْلُهَا. قَالَ الْمُزَنِيّ: أُشَبِّهُ الْأَمْرِ بِقَوْلِهِ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِقَوْلِهِ: إنَّ مِلْكِهِ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ وَقَدْ قَالَ فِي بَابِ صَدَقَاتِ الْغَنَمِ، وَلَوْ ضَلَّتْ غَنَمُهُ، أَوْ غَصَبَهَا أَحْوَالاً، ثُمَّ وَجَدَهَا زَكَّاهَا لِأَحْوَالِهَا فَقَضَى مَا لَمْ يَخْتَلِفْ مِنْ قَوْلِهِ فِي هَذَا لِأَحَدِ قَوْلَيْهِ فِي أَنَّ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ كَمَا قَطَعَ فِي ضَوَالِّ الْغَنَمِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَكْرَى دَارًا أَرْبَعَ سِنِينَ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَالْكِرَاءُ حَالٌّ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَجَلاً فَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ زَكَّى خَمْسَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا وَفِي الْحَوْلِ الثَّانِي خَمْسِينَ لِسَنَتَيْنِ إلَّا قَدْرَ زَكَاةِ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ دِينَارًا وَفِي الْحَوْلِ الثَّالِثِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ دِينَارًا لِثَلاَثِ سِنِينَ إلَّا قَدْرَ زَكَاةِ السَّنَتَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ وَفِي الْحَوْلِ الرَّابِعِ زَكَّى مِائَةً لِأَرْبَعِ سِنِينَ إلَّا قَدْرَ زَكَاةِ مَا مَضَى، وَلَوْ قَبَضَ الْمُكْرِي الْمَالَ ثُمَّ انْهَدَمَتْ الدَّارُ انْفَسَخَ الْكِرَاءُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ إلَّا فِيمَا سَلَّمَ لَهُ وَلاَ يُشْبِهُ صَدَاقَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْهُ عَلَى الْكَمَالِ، فَإِنْ طَلَّقَ انْتَقَضَ النِّصْفُ وَالْإِجَارَةُ لاَ يُمَلَّكُ مِنْهَا شَيْءٌ إلَّا بِسَلاَمَةِ مَنْفَعَةِ الْمُسْتَأْجِرِ مُدَّةً يَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الْإِجَارَةِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: هَذَا خِلاَفٌ أَصْلُهُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهَا حَالَّةً يَمْلِكُهَا الْمُكْرِي إذَا سَلَّمَ مَا أَكْرَى كَثَمَنِ السِّلْعَةِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَجَلاً وَقَوْلُهُ هَا هُنَا أَشْبَهُ عِنْدِي بِأَقَاوِيلِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمِلْكِ لاَ عَلَى مَا عَبَّرَ فِي الزَّكَاةِ. قَالَ: وَلَوْ غَنِمُوا فَلَمْ يَقْسِمْهُ الْوَالِي حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ فَقَدْ أَسَاءَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ وَلاَ زَكَاةَ فِي فِضَّةٍ مِنْهَا وَلاَ ذَهَبٍ حَتَّى يَسْتَقْبِلَ بِهَا حَوْلاً بَعْدَ الْقَسْمِ؛ لِأَنَّهُ لاَ مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهِ بِعَيْنِهِ وَأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمْنَعَهُمْ قِسْمَتَهُ إلَّا أَنْ يُمَكِّنَهُ؛ وَلِأَنَّ فِيهَا خَمْسًا وَإِذَا عُزِلَ سَهْمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا لِمَا يَنُوبُ الْمُسْلِمِينَ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِمَالِكٍ بِعَيْنِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ بَاعَ بَيْعًا صَحِيحًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ، أَوْ الْمُشْتَرِي، أَوْ هُمَا قَبَضَ، أَوْ لَمْ يَقْبِضْ فَحَالَ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ مَلَكَ الْبَائِعُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَتِمُّ بِخُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِهِ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ وَلِمُشْتَرِيهِ الرَّدُّ بِالتَّغَيُّرِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ بِالزَّكَاةِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: وَقَدْ قَالَ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ إنَّ الْمِلْكَ يَتِمُّ بِخِيَارِهِمَا، أَوْ بِخِيَارِ الْمُشْتَرِي وَفِي الشُّفْعَةِ أَنَّ الْمِلْكَ يَتِمُّ بِخِيَارِ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ: الْأَوَّلُ إذَا كَانَا جَمِيعًا بِالْخِيَارِ عِنْدِي أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ أَنْ لاَ يَبِيعَهُ فَبَاعَهُ أَنَّهُ عَتِيقٌ وَالسَّنَدُ عِنْدَهُ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ جَمِيعًا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا تَفَرُّقَ الْأَبَدَانِ فَلَوْلاَ أَنَّهُ مَلَكَهُ مَا عَتَقَ عَلَيْهِ عَبْدُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ مَلَكَ ثَمَرَةَ نَخْلٍ مِلْكًا صَحِيحًا قَبْلَ أَنْ تُرَى فِيهِ الصُّفْرَةُ أَوْ الْحُمْرَةُ فَالزَّكَاةُ عَلَى مَالِكِهَا الْآخَرِ يُزَكِّيهَا حِينَ تَزْهَى. وَلَوْ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ بَعْدَمَا يَبْدُو صَلاَحُهَا فَالْعُشْرُ فِيهَا وَالْبَيْعُ فِيهَا مَفْسُوخٌ كَمَا لَوْ بَاعَهُ عَبْدَيْنِ أَحَدُهُمَا لَهُ وَالْآخَرُ لَيْسَ لَهُ وَلَوْ اشْتَرَاهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهَا عَلَى أَنْ يَجُدَّهَا أَخَذَ يَجُدُّهَا، فَإِنْ بَدَا صَلاَحُهَا فُسِخَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ تُقْطَعَ فَيَمْنَعَ الزَّكَاةَ وَلاَ يُجْبَرُ رَبُّ النَّخْلِ عَلَى تَرْكِهَا وَقَدْ اشْتَرَطَ قَطْعَهَا، وَلَوْ رَضِيَا التَّرْكَ فَالزَّكَاةُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ التَّرْكَ وَأَبَى الْمُشْتَرِي فَفِيهَا قَوْلاَنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يُجْبَرَ عَلَى التَّرْكِ وَالثَّانِي أَنْ يُفْسَخَ؛ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَطَا الْقَطْعَ، ثُمَّ بَطَلَ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: فَأَشْبَهَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ بِقَوْلِهِ: أَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعُ قِيَاسًا عَلَى فَسْخِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ اسْتَهْلَكَ رَجُلٌ ثَمَرَةً وَقَدْ خُرِصَتْ أَخَذَ بِثَمَنِ عُشْرِ وَسَطِهَا وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَوْ بَاعَ الْمُصَدِّقُ شَيْئًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ أَوْ يَقْسِمَهُ عَلَى أَهْلِهِ لاَ يَجْزِي غَيْرُهُ وَأَفْسَخُ بَيْعَهُ إذَا قَدَرْت عَلَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَكْرَهُ لِلرَّجُلِ شِرَاءَ صَدَقَتِهِ إذَا وَصَلَتْ إلَى أَهْلِهَا وَلاَ أَفْسَخُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلاَ زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْمَعَادِنِ إلَّا ذَهَبًا، أَوْ وَرِقًا فَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا ذَهَبٌ أَوْ وَرِقٌ فَكَانَ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ حَتَّى يُعَالَجَ بِالنَّارِ أَوْ الطَّحْنِ، أَوْ التَّحْصِيلِ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَصِيرَ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا، فَإِنْ دَفَعَ مِنْهُ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَحْصُلَ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا فَالْمُصَدِّقُ ضَامِنٌ وَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إنْ اسْتَهْلَكَهُ وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الْمَعَادِنِ بِحَالٍ لِأَنَّهُ ذَهَبٌ، أَوْ وَرِقٌ مُخْتَلِطٌ بِغَيْرِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا إلَى أَنَّ فِي الْمَعَادِنِ الزَّكَاةَ، وَغَيْرُهُمْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمَعَادِنَ رِكَازٌ فَفِيهَا الْخُمُسُ. قَالَ وَمَا قِيلَ: فِيهِ الزَّكَاةُ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ الذَّهَبُ مِنْهُ عِشْرِينَ مِثْقَالاً وَالْوَرِقُ مِنْهُ خَمْسَ أَوَاقٍ. قَالَ: وَيَضُمُّ مَا أَصَابَ فِي الْأَيَّامِ الْمُتَتَابِعَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمَعْدِنُ غَيْرَ حَاقِدٍ فَقَطَعَ الْعَمَلَ فِيهِ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَهُ لَمْ يَضُمَّ كَثُرَ الْقَطْعُ عَنْهُ لَهُ أَوْ قَلَّ وَالْقَطْعُ تَرْكُ الْعَمَلِ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَدَّاهُ، أَوْ عِلَّةِ مَرَضٍ، أَوْ هَرَبِ عَبِيدٍ لاَ وَقْتَ فِيهِ إلَّا مَا وَصَفْت، وَلَوْ تَابَعَ فَحَقَدَ وَلَمْ يَقْطَعْ الْعَمَلَ فِيهِ ضَمَّ مَا أَصَابَ مِنْهُ بِالْعَمَلِ الْآخَرِ إلَى الْأَوَّلِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَاَلَّذِي أَنَا فِيهِ وَاقِفُ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْدِنِ وَالتِّبْرِ الْمَخْلُوقِ فِي الْأَرْضِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: إذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ أَصْلٌ فَأَوْلَى بِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ فَائِدَةً يُزَكَّى لِحَوْلِهِ وَقَدْ أَخْبَرَنِي عَنْهُ بِذَلِكَ مَنْ أَثِقُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ عِنْدِي وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إنَّ صَلاَتَك سَكَنٌ لَهُمْ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالصَّلاَةُ عَلَيْهِمْ الدُّعَاءُ لَهُمْ عِنْدَ أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنْهُمْ فَحَقٌّ عَلَى الْوَالِي إذَا أَخَذَ صَدَقَةَ امْرِئٍ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ وَأُحِبُّ أَنْ يَقُولَ آجَرَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْت وَجَعَلَهُ طَهُورًا لَك وَبَارَكَ لَك فِيمَا أَبْقَيْت.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ}. وَرُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ {مِمَّنْ تَمُونُونَ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلَمْ يَفْرِضْهَا إلَّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَالْعَبِيدُ لاَ مَالَ لَهُمْ وَإِنَّمَا فَرْضُهُمْ عَلَى سَيِّدِهِمْ فَهُمْ وَالْمَرْأَةُ مِمَّنْ يُمَوَّنُونَ فَكُلُّ مَنْ لَزِمَتْهُ مُؤْنَةُ أَحَدٍ حَتَّى لاَ يَكُونَ لَهُ تَرْكُهَا أَدَّى زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُ وَذَلِكَ مَنْ أَجْبَرْنَاهُ عَلَى نَفَقَتِهِ مِنْ وَلَدِهِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ الزَّمْنَى الْفُقَرَاءِ وَآبَائِهِ وَأُمَّهَاتِهِ الزَّمْنَى الْفُقَرَاءِ وَزَوْجَتِهِ وَخَادِمٍ لَهَا وَيُؤَدِّي عَنْ عَبِيدِهِ الْحُضُورِ وَالْغُيَّبِ وَإِنْ لَمْ يَرْجُ رَجْعَتَهُمْ إذَا عَلِمَ حَيَاتَهُمْ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَيَاتَهُمْ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِابْنِ عُمَرَ بِأَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّي عَنْ غِلْمَانِهِ بِوَادِي الْقُرَى. قَالَ الْمُزَنِيّ: وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِ أَوْلَى. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُزَكِّي عَمَّنْ كَانَ مَرْهُونًا أَوْ مَغْصُوبًا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَرَقِيقُ رَقِيقِهِ وَرَقِيقُ الْخِدْمَةِ وَالتِّجَارَةِ سَوَاءٌ. وَإِنْ كَانَ فِيمَنْ يُمَوِّنُ كَافِرًا لَمْ يُزَكِّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَطْهُرُ بِالزَّكَاةِ إلَّا مُسْلِمٌ قَالَ مُحَمَّدٌ وَابْنُ عَاصِمٍ: قَالَ سَمِعْت: الْمَغْصُوبُ الَّذِي لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ وَلَدُهُ فِي وِلاَيَتِهِ لَهُمْ أَمْوَالٌ زَكَّى مِنْهَا عَنْهُمْ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ فَيَجْزِي عَنْهُمْ فَإِنْ تَطَوَّعَ حُرٌّ مِمَّنْ يُمَوِّنُ فَأَخْرَجَهَا عَنْ نَفْسِهِ أَجْزَأَهُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ عَمَّنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ نَهَارِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَغَابَتْ الشَّمْسُ لَيْلَةَ شَوَّالٍ فَيُزَكِّي عَنْهُ وَإِنْ مَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ وَإِنْ وُلِدَ لَهُ بَعْدَمَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَلَدٌ، أَوْ مَلَكَ عَبْدًا فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي عَامِهِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ يَمْلِكُ نِصْفَهُ وَنِصْفُهُ حُرٌّ فَعَلَيْهِ فِي نِصْفِهِ نِصْفُ زَكَاتِهِ، فَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ مَا يَقُوتُهُ لَيْلَةَ الْفِطْرِ وَيَوْمِهِ أَدَّى النِّصْفَ عَنْ نِصْفِهِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا اكْتَسَبَ فِي يَوْمِهِ. وَإِنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فَأَهَلَّ شَوَّالٌ وَلَمْ يَخْتَرْ إنْفَاذَ الْبَيْعِ، ثُمَّ أَنْفَذَهُ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَالزَّكَاةُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالْمِلْكُ لَهُ وَهُوَ كَمُخْتَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا جَمِيعًا فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْمُشْتَرِي. قَالَ الْمُزَنِيّ: هَذَا غَلَطٌ فِي أَصْلِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ فِي رَجُلٍ لَوْ قَالَ عَبْدِي حُرٌّ إنْ بِعْته فَبَاعَهُ أَنَّهُ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَتِمَّ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا تَفَرُّقَ الْأَبَدَانِ فَهُمَا فِي خِيَارِ التَّفَرُّقِ كَهُوَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ بِوَقْتٍ لاَ فَرْقَ فِي الْقِيَاسِ بَيْنَهُمَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ مَاتَ حِينَ أَهَلَّ شَوَّالٌ وَلَهُ رَقِيقٌ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَنْهُمْ فِي مَالِهِ مُبْدَأَةٌ عَلَى الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ مِنْ مِيرَاثٍ وَوَصَايَا، وَلَوْ وَرِثُوا رَقِيقًا، ثُمَّ أَهَلَّ شَوَّالٌ فَعَلَيْهِمْ زَكَاتُهُمْ بِقَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ شَوَّالٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ زَكَّى عَنْهُمْ الْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّهُمْ فِي مِلْكِهِمْ. وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَمَاتَ، ثُمَّ أَهَلَّ شَوَّالٌ أَوْقَفْنَا زَكَاتَهُ فَإِنْ قِيلَ: فَهِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ إلَى مِلْكِهِ وَإِنْ رَدَّ فَهِيَ عَلَى الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ، وَلَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ فَوَرَثَتُهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ، فَإِنْ قَبِلُوا فَزَكَاةُ الْفِطْرِ فِي مَالِ أَبِيهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ بِمِلْكِهِ مَلَكُوهُ. وَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَوَّالٌ وَعِنْدَهُ قُوتُهُ وَقُوتُ مَنْ يَقُوتُ لِيَوْمِهِ وَمَا يُؤَدِّي بِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَنْهُمْ أَدَّاهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بَعْدَ الْقُوتِ لِيَوْمِهِ إلَّا مَا يُؤَدِّي عَنْ بَعْضِهِمْ أَدَّى عَنْ بَعْضِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا قُوتُ يَوْمِهِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ مِمَّنْ يَقُوتُ وَاجِدًا لِزَكَاةِ الْفِطْرِ لَمْ أُرَخِّصْ لَهُ فِي تَرْكِ أَدَائِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَلاَ يَبِينُ لِي أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ عَلَى غَيْرِهِ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَهَا بَعْد أَدَائِهَا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا وَغَيْرُهَا مِنْ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ وَالتَّطَوُّعِ. وَإِنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ عَبْدًا، أَوْ مُكَاتَبًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهَا، فَإِنْ زَوَّجَهَا حُرًّا فَعَلَى الْحُرِّ الزَّكَاةُ عَنْ امْرَأَتِهِ، فَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا فَعَلَى سَيِّدِهَا فَإِنْ لَمْ يُدْخِلْهَا عَلَيْهِ، أَوْ مَنَعَهَا مِنْهُ فَعَلَى السَّيِّدِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبَيَّنَ فِي سُنَّتِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ الْبَقْلِ مِمَّا يَقْتَاتُ الرَّجُلُ وَمَا فِيهِ الزَّكَاةُ. قَالَ وَأَيُّ قُوتٍ كَانَ الْأَغْلَبُ عَلَى الرَّجُلِ أَدَّى مِنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ كَانَ حِنْطَةً، أَوْ ذُرَةً أَوْ عَلَسًا، أَوْ شَعِيرًا، أَوْ تَمْرًا، أَوْ زَبِيبًا وَمَا أَدَّى مِنْ هَذَا أَدَّى صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلاَ تُقَوَّمُ الزَّكَاةُ وَلَوْ قُوِّمَتْ كَانَ لَوْ أَدَّى ثَمَنَ صَاعِ زَبِيبٍ ضُرُوعٍ أَدَّى ثَمَنَ آصُعَ حِنْطَةً. قَالَ وَلاَ يُؤَدِّي إلَّا الْحَبَّ نَفْسَهُ لاَ يُؤَدِّي دَقِيقًا وَلاَ سَوِيقًا وَلاَ قِيمَةً وَأَحَبُّ إلَيَّ لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ أَنْ لاَ يُؤَدُّوا أَقِطًا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ قُوتًا فَالْفَثُّ قُوتٌ وَقَدْ يُقْتَاتُ الْحَنْظَلُ وَاَلَّذِي لاَ أَشُكُّ فِيهِ أَنَّهُمْ يُؤَدُّونَ مِنْ قُوتِ أَقْرَبِ الْبُلْدَانِ بِهِمْ إلَّا أَنْ يَقْتَاتُوا ثَمَرَةً لاَ زَكَاةَ فِيهَا فَيُؤَدُّونَ مِنْ ثَمَرَةٍ فِيهَا زَكَاةٌ، وَلَوْ أَدَّوْا أَقِطًا لَمْ أَرَ عَلَيْهِمْ إعَادَةً. قَالَ الْمُزَنِيّ: قِيَاسُ مَا مَضَى أَنْ يَرَى عَلَيْهِمْ إعَادَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهَا فِيمَا يُقْتَاتُ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَرَةً فِيهَا زَكَاةٌ، أَوْ يُجِيزُ الْقُوتَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ زَكَاةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ الرَّجُلُ نِصْفَ صَاعٍ حِنْطَةً وَنِصْفَ صَاعٍ شَعِيرًا إلَّا مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ قُوتُهُ حِنْطَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ شَعِيرًا وَلاَ يُخْرِجُهُ مِنْ مُسَوَّسٍ وَلاَ مَعِيبٍ، فَإِنْ كَانَ قَدِيمًا لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَلاَ لَوْنُهُ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ قُوتُهُ حُبُوبًا مُخْتَلِفَةً فَاخْتَارَ لَهُ خَيْرَهَا وَمِنْ أَيْنَ أَخْرَجَهُ أَجْزَأَهُ. وَيُقَسِّمُهَا عَلَى مَنْ تُقَسَّمُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْمَالِ وَأَحَبُّ إلَيَّ ذَوُو رَحِمِهِ إنْ كَانَ لاَ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ بِحَالٍ. وَإِنْ طَرَحَهَا عِنْدَ مَنْ تُجْمَعُ عِنْدَهُ أَجْزَأَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. سَأَلَ رَجُلٌ سَالِمًا فَقَالَ أَلَمْ يَكُنْ ابْنُ عُمَرَ يَدْفَعُهَا إلَى السُّلْطَانِ؟ فَقَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ أَرَى أَنْ لاَ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ {خَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَلْيَبْدَأْ أَحَدُكُمْ بِمَنْ يَعُولُ}. قَالَ فَهَكَذَا أُحِبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ بِمَنْ يَعُولُ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ مَنْ يَعُولُ فَرْضٌ وَالْفَرْضُ أَوْلَى بِهِ مِنْ النَّفْلِ، ثُمَّ قَرَابَتُهُ، ثُمَّ مَنْ شَاءَ وَرُوِيَ {أَنَّ امْرَأَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانَتْ صَنَاعًا وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ فَقَالَتْ لَقَدْ شَغَلْتنِي أَنْتَ وَوَلَدُك عَنْ الصَّدَقَةِ فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَك فِي ذَلِكَ أَجْرَانِ فَأَنْفِقِي عَلَيْهِمْ}، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
|